“بنت أمبارح لم يعد يعجبها ذوقي ولا رأيي ولا أسلوبي”.. هكذا ختمت أم نورا حديثها الهاتفي معي حيث كانت تبث لي شكواها من ابنتها ذات الثلاثة عشر عاماً!
ورغم أنها ليست الوحيدة التي تعاني من تمرد وعصيان الأبناء في هذه السن إلا أنها لم تفكر –كغيرها من الأمهات- في الأسباب التي تجعل الأبناء في هذه المرحلة يتعاملون بطريقة قد تبدو عدائية، كما أنها لم تحاول أن تجرب أسلوباً جديداً يقلل الفجوة بينها وبين ابنتها!
فمرحلة المراهقة هي فترة تغيير للأطفال والوالدين معاً، فنحن لم نعد نتعامل مع طفل أو طفلة، ولكن مع شاب وفتاة بالغين، لهذا فإن طرق إصدار القرارات لهم والتفاعل والاتصال معهم والسيطرة عليهم يجب أن تتغير؛ فعلى الآباء والأمهات أن يدركوا التصرفات الطبيعية للمراهقين حتى يتعاملوا بفاعليّة معهم، فكثيراً ما نرى الآباء والأمهات يواجهون مشاكل مع أبنائهم المراهقين نتيجة استخدام أساليب تربوية اعتادوا على استعمالها معهم عندما كانوا أصغر من ذلك.
يقول الدكتور “دون فونتيل” عالم النفس المتخصص في سلوك المراهقين: من المهم أن يدرك الآباء والمربون أن العديد من الأساليب التي تنجح مع الطفل الصغير لن تنجح مع المراهق، وقد تُحدث مشاكل أكثر مما تحلّ.
وقد يحدث الكثير من الارتباك أثناء هذه الفترة من قبل كل من الوالد والمراهق، فالمراهق الذي يطالب بأن تتم معاملته كالشخص البالغ ما زال من الممكن أن يتصرف كطفل؛ فإن الوالد الذي يخبر المراهق أن يتصرف كشخص ناضج ما زال يعامل الشاب الصغير كطفل!
وفي دراسة ميدانية تضمنت مقابلات مع مراهقين وآبائهم تبيّن أن أهم ما يعاني منه الآباء خلال هذه المرحلة مع أبنائهم:
– الخوف الزائد على الأبناء من أصدقاء السوء.
– كثير من الآباء يعتبرون المراهقين قليلي خبرة في الحياة ومتهورين، ولا يستطيعون التمييز بين الخطأ والصواب.
– يشكو الآباء من أن أبناءهم متمردون ويرفضون أي نوع من أنواع الوصايا أو حتى النصح.
– يعيش المراهقون في عالمهم الخاص الذي يحاولون فيه الانفصال عن الآباء بكل الطرق.
أما شكوى المراهقين فكانت الوجه الآخر لكل ما سبق:
– فالآباء لا يقدرون مشاعرهم، ويتذبذبون في طريقة التعامل معهم؛ فهم صغار وقتما يحلو لهم، وأحياناً أخرى هم كبار مسؤولون.
– لا يثقون – أي الآباء- في حكم أبنائهم المراهقين على الأشياء، ولا في تقديرهم للأمور.
– يتدخل الآباء في كل صغيرة وكبيرة.
– متأخرون –أي الآباء- في أفكارهم ومعلوماتهم، ولا يكتفون بذلك؛ بل يريدون من أبنائهم المراهقين أن يكونوا مثلهم.
– يرغبون في تحقيق أحلامهم في أبنائهم أو يريدون نسخاً منهم.
– لا يؤمنون بمبدأ الحوار والنقاش.
ويفسر “كوستي بندلي” صاحب كتاب “هواجس شبابية حول الأسرة والحب” حالة الاغتراب بين المراهق ووالديه بأنها تكمن في “محوريّة الأنا” التي يتميز بها المراهق، فالمراهق مدفوع رغماً عنه –بحكم عوامل نفسية- إلى التركيز الشديد على ذاتيّته الشخصيّة الناشئة التي تتحول إلى محور اهتمامه وهواجسه؛ حيث إنه يكتشف تميزه وتفرده –وهو الذي كان بالأمس القريب جزءاً لا يتجزأ من بيئة عائلية في حالة اندماج معها- هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى تطرأ عليه –دون وعي منه- حالات من القلق والمزاجية وعدم الاستقرار و “أزمة هُوِيّة”.
فانسلاخ المراهق من مواقف وثوابت ورغبات الأسرة ما هو إلا وسيلة لتأكيد وإثبات تفرّده وتميّزه، وهذا يستلزم بالطبع معارضة سلطة الأهل؛ لأنه يعتبر أي سلطة فوقيّة أو أي توجيه إنما هو استخفاف لا يُطاق بقدراته العقليّة التي أصبحت موازية جوهرياً لقدرات الراشد واستهانة بالروح –النقدية المتيقظة لديه، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة وفقاً لمقاييس المنطق.
يقول التربويون: إنه من المهم أن ننتقل إلى طريقة بالغة في التعامل مع سلوك المراهقين وذلك بـ (إحلال الحوار الحقيقي) بدلاً من التنافر والصراع والاغتراب المتبادل، ولكن ليس المقصود بالحوار إزالة كافة أنواع الخلافات أو انسحاب الأهل أمام رغبات الشباب ونزواتهم؛ بل المطلوب من الأهل أن يكونوا موجودين بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فلا بد من تفهّم وجهة نظر الأولاد بحيث يشعر الشاب أنه مأخوذ على محمل الجدّ ومعترف به وبتفرّده، وأن له حقاً مشروعاً بأن يصرح بآرائه، والأهم من ذلك أن يجد المراهق لدى الأهل أذناً صاغية وقلوباً متفتحة من الأعماق، لا مجرد مجاملة. كما أنه ينبغي أن نفسح المجال لأن يشقّ المراهق طريقه بنفسه حتى لو أخطأ؛ فالأخطاء طريق التعلم.
أبو الفنون التربويّة
يقول علماء النفس: إن فن الحوار مع الأبناء هو “أبو الفنون التربويّة” ولكي تتقني هذا الفن إليك بعض جوانبه:
– لفن الحوار طرق وأساليب؛ فمثلاً عليك اجتياز الوقت المناسب لبدء الحوار مع المراهق بحيث تكونا –أنت وابنك أو ابنتك- غير مشغولين؛ بل مكرّسين وقتكما للحوار عن موضوع معين.
– إذا تحدثتما جالسين فلتكن جلستك معتدلة لا فوقيّة (أنت واقفة وهو جالس) ولا تحتيّة؛ بل جلسة صديقين متآلفين، وابتعدي عن التكلف والتجمل واحذري نبرة التوبيخ والنهر والتسفيه.
– من ممنوعات “فن الحوار مع المراهق” التلويح باليد أو المقاطعة بتعليق بل يُترك ذلك إلى نهاية تعبيره عن نفسه.
– شجعّي ابنك على توصيل مشاعر الرفض والسخط لديه، والتعبير عن مشاعره السلبيّة ما دام يعبر عنها بشكل مناسب، ودون تهكم أو وقاحة.
– تجنّبي استفحال الغضب، وذلك بتقليل مقدار النقد والاهتمام السلبي والمعاقبة الدائمة فمن الخطأ التركيز على الأخطاء والسلبيات التي يقترفها المراهق أكثر من الإيجابيات.
– حاولي الابتعاد عن الأسئلة المغلقة –التي تكون إجاباتها “نعم” أو “لا”، أو الأسئلة غير الواضحة أو غير المباشرة، وأفسحي له المجال للتعبير عن نفسه؛ فمثلاً: لا تقولي له: هل أعجبتك الرحلة؟ بل يكون السؤال: ما أكثر شيء استثارك أو لفت انتباهك خلال الرحلة؟
– لا تستخدمي ألفاظاً قد تكون جارحة سواء عن قصد أو بدون قصد.
– أنصتي جيداً؛ فإذا كان ابنك أو ابنتك تشكو من زيادة القيود أو العقاب أو أي شيء آخر لا يعجبها؛ فاستمعي وحاولي أن تتفهمي مشاعرها؛ فإذا كانت شكواها حقيقيّة، ففكّري لتعرفي ما إذا كان بإمكانك إصلاح الأفراد أو إيجاد حل.
ويؤكد الدكتور عمرو علي أبو خليل -أخصائي الطب النفسي- أن مفتاح التعامل مع سن المراهق هو الحوار والتفاهم فيقول: يجب أن تعلمي أن ابنك البالغ من العمر (14) عاماً لم يصبح هذا الطفل الذي كنت تتعاملين معه بالأمس وأنه في مرحلة جديدة يريد فيها أن يثبت أنه بات رجلاً وأن يعبر عن نفسه، وهو عندما يرفع صوته فإنما يريد أن يقول: ها أنذا. لذا فإنه من الأفضل أن تقدمي له الطريق الطبيعي لإثبات ذاته من غير أن نضطره لرفع صوته؛ فنشعره أننا نحترم رأيه، ونقدر ذاته بأن نأخذ رأيه في كل ما يخصه، ونجعله يشعر من خلال الحوار أنه هو صاحب القرار، وأنه إذا كان هناك رأي يخصه فنقدمه على رأينا حتى ولو كان رأينا هو الأفضل حيث يشعره ذلك بالثقة في نفسه، وبأننا نحترمه ونقدره، ولا نفرض رأينا عليه.
كما يجب علينا أن نوكل إليه بعض المهام التي تشعره أيضاً بأننا نعتبره فرداً كبيراً في العائلة ثم نثني على أدائه لهذه المهام، وبذلك يشعر بالانتماء، خاصة وأنه في هذه السن يتميز بالنقد العالي واللاذع، ولكنه في نفس الوقت يتميز بالرغبة في الإصلاح فلا يجب أن نواجه نقده بغضب، ولكن نواجهه بالسؤال عما يجب أن نعمله سوياً من أجل الإصلاح، وأن نوكل له جزءاً من هذه المهمة ليس من باب إشعاره بالعجز، ولكن من باب إشعاره بأن له دوراً كبيراً في تغيير ما يغضبه وما يرفضه.
إذا فعلنا ذلك، وإذا اعتمدنا مبدأ الحوار والتفاهم؛ فسيصبح المراهق صديقاً لنا، وعندها سيفعل ما يرضينا؛ لأنه لا يريد أن يُغضب أصدقاءه.
وفي النهاية فإن الأذن الواعية، والقلب المتفهم، والدعاء المستمر بصلاح الأبناء هي “العصا السحرية” التي ترشد المراهق إلى طريق الصواب.
تعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية)، ولما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعددة، داخلية وخارجية.
* مفهوم المراهقة:
ترجع كلمة “المراهقة” إلى الفعل العربي “راهق” الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق، أي: قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقاً، أي: قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد.
أما المراهقة في علم النفس فتعني: “الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”، ولكنه ليس النضج نفسه؛ لأن الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي، ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 10 سنوات.
وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ، فالبلوغ يعني “بلوغ المراهق القدرة على الإنسال، أي: اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية، وقدرتها على أداء وظيفتها”، أما المراهقة فتشير إلى “التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي”. وعلى ذلك فالبلوغ ما هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة.
ويشير ذلك إلى حقيقة مهمة، وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى فجأة، ولكنه تدريجي ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالاً تدريجياً، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه.
وجدير بالذكر أن وصول الفرد إلى النضج الجنسي لا يعني بالضرورة أنه قد وصل إلى النضج العقلي، وإنما عليه أن يتعلم الكثير والكثير ليصبح راشداً ناضجاً.
و للمراهقة والمراهق نموه المتفجر في عقله وفكره وجسمه وإدراكه وانفعالاته، مما يمكن أن نلخصه بأنه نوع من النمو البركاني، حيث ينمو الجسم من الداخل فسيولوجياً وهرمونياً وكيماوياً وذهنياً وانفعالياً، ومن الخارج والداخل معاً عضوياً.
* مراحل المراهقة:
والمدة الزمنية التي تسمى “مراهقة” تختلف من مجتمع إلى آخر، ففي بعض المجتمعات تكون قصيرة، وفي بعضها الآخر تكون طويلة، ولذلك فقد قسمها العلماء إلى ثلاث مراحل، هي:
1- مرحلة المراهقة الأولى (11-14 عاما)، وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة.
2- مرحلة المراهقة الوسطي (14-18 عاما)، وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية.
3- مرحلة المراهقة المتأخرة (18-21)، حيث يصبح الشاب أو الفتاة إنساناً راشداً بالمظهر والتصرفات.
ويتضح من هذا التقسيم أن مرحلة المراهقة تمتد لتشمل أكثر من عشرة أعوام من عمر الفرد
* علامات بداية مرحلة المراهقة وأبرز خصائصها وصورها الجسدية والنفسية:
بوجه عام تطرأ ثلاث علامات أو تحولات بيولوجية على المراهق، إشارة لبداية هذه المرحلة عنده، وهي:
1 – النمو الجسدي: حيث تظهر قفزة سريعة في النمو، طولاً ووزناً، تختلف بين الذكور والإناث، فتبدو الفتاة أطول وأثقل من الشاب خلال مرحلة المراهقة الأولى، وعند الذكور يتسع الكتفان بالنسبة إلى الوركين، وعند الإناث يتسع الوركان بالنسبة للكتفين والخصر، وعند الذكور تكون الساقان طويلتين بالنسبة لبقية الجسد، وتنمو العضلات.