اخبار ليل ونهار. بالفيديو.. الفوضى تضرب امريكا وعمليات سلب ونهب غير مسبوقة. ما سوف نشاهده في هذا الفيديو، هي مشاهد حقيقية لايمكن تخيل انها يمكن ان تحدث في الولايات المتحدة الامريكية، البلد الذي يدعي التحضر واحترام حقوق الانسان والعدالة.
هي مشاهد ليست في احداث فيلم سينمائي من افلام الاثارة والاكشن من انتاج هوليود، بل هي مشاهد حقيقية بالكامل، انه اقوى فيلم من افلام الاكشن الواقعية، الذي مازال يواصل عرضه يوميا، ويتابعه ملايين المشاهدين حول العالم.
وبالرغم من فرض حظر التجول في عدة ولايات امريكية، وبالرغم من تهديد الرئيس الامريكي ترامب، باستخدام القوة ونشر الجيش لايقاف المظاهرات الغاضبة، خرج عشرات الآلاف في أنحاء الولايات المتحدة في أعقاب وفاة جورج فلويد.
وفي أحد الاحتجاجات الكبيرة انضم المحتجون إلى أقارب فلويد، في موطنة بمدينة هوستين بولاية تكساس، وظل المتظاهرون حتى بعد حلول وقت الحظر.
وتحدى محتجون الحظر في ولاية نيويورك، واضطر رئيس بلدية المدينة إلى تقديم وقت الحظر ومد فترته لليلة الثانية بعد اندلاع حوادث نهب في مانهاتن.
وسخر ترامب من مسؤولي السلطات المحلية وحكام الولايات بسبب طريقتهم في التعامل مع الاضطرابات، قائلا على تويتر “يا نيويورك استدعي الحرس الوطني، التعساء والخاسرون يدمرونك، تصرفي بسرعة”.
وعبر حاكم ولاية نيويورك عن غضبه إزاء الاضطرابات في مدينة نيويورك، أكبر مدينة أميركية.
وقال إن شرطة المدينة فشلت في حماية المحلات التجارية من عمليات السلب والنهب، مضيفا أن رئيس بلدية المدينة رفض تلقي مساعدة الحرس الوطني.
وفي واشنطن واصلت حشود كبيرة من المحتجين تظاهرهم أمام البيت الأبيض، إلى ما بعد وقت سريان الحظر.
وتجمع المئات أمام سياج حديدي، حيث وقف عناصر الحرس الوطني حائلا بين المحتجين والبيت الأبيض، ورفع المحتجون شعارات تندد بالرئيس، وتطالب بالعدالة ووضع حد لعنف الشرطة.
وقد القت قوات الأمن قنابل الغاز المدمع على المحتجين الذين حاولوا إزالة السياج الحديدي من أمام البيت الأبيض.
وفي مشاهد كان من النادر مشاهدتها في امريكا، نقلت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) حوالي 1600 عنصر من قوات الجيش إلى واشنطن، وسط ضغوط من الرئيس دونالد ترامب من أجل حل عسكري.
في حين أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر رفضه نشر الجيش، وقال إن البنتاجون يواجه تحديا كبيرا في محاولة الحفاظ على وضعه بعيدا عن السياسة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ونأى إسبر بنفسه عن صورة ترامب أمام الكنيسة، وقال إن الرئيس ارتجل، وإن تحقيقا فُتح في قمع المحتجين، نافيا علاقة الحرس الوطني بذلك.
وفي مشاهد فوضى غير مسبوقة، كان من المستحيل رؤيتها في امريكا، قام العديد من المتظاهرين الامريكيين الغاضبين، بعمليات سلب ونهب، لمحتويات العديد من المحلات والمتاجر الكبرى الشهيرة، حيث رصدت الكاميرات، مشاهد قيام عدد من المتظاهرين باقتحام عدد من المتاجر والمحلات الشهيرة لبيع الاجهزة الكهربائية والملابس والاغذية، في مشاهد كان من الممكن رؤيتها فقط في افلام الاثارة والاكشن، لكنها الان اصبحت واقعا حقيقيا يعيشه الامريكيون.
وقد تم اقتحام ونهب وسرقة محتويات اكثر من ثلاثين محلا من المحلات التجارية الشهيرة في عدد من الولايات الامريكية.
كما تم سلب ونهب العديد من الحاويات الضخمة التي تنقل البضائع والاجهزة الكهربائية، حيث استولى المتظاهرون على كميات كبيرة من شاشات التلفزيون.
اين الحضارة الامريكية التي صدعوا بها رؤوسنا، واين العدالة الامريكية، واين ابسط حقوق الانسان في بلد يحكمه عددا من المتهورين والمتكبرين، الاسلام جاء ليساوي بين الجميع، ويلغي الفوارق بين الناس، الابيض والاسود، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، اين دعاة العلمانية من هذه المشاهد، لماذا انخرست السنتهم واصواتهم؟
انَّ الناس جميعا في نظر الإسلام سواسيةٌ، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود.
وليس للون والجنس واللغة والوطن من حساب في ميزان الله تعالى. إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم، ويعرف به فضل الناس: إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. والكريم حقا هو الكريم عند الله.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
وفي الحديث الشريف والصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ).
فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى اجساد العباد هل هي كبيرة أو صغيرة، أو صحيحة، أو سقيمة، ولا ينظر إلى الصور، هل هي جميلة أو ذميمة، كل هذا ليس بشيء عند الله، وكذلك لا ينظر إلى الأنساب؛ هل هي رفيعة أو دنيئة، ولا ينظر إلى الأموال، ولا ينظر إلى شيء من هذا أبدًا، فليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب، وكان عند الله أكرم؛ إذًا لا تفتخر بمالك، ولا بجمالك، ولا ببدنك، ولا بأولادك، ولا بقصورك، ولا سياراتك، ولا بشيء من هذه الدنيا أبدًا، إنما إذا وفقك الله للتقوى، فهذا من فضل الله عليك، فاحمد الله عليه.
ونحن نقدِّم موقفًا واحدًا ضمن آلاف المواقف الدالَّة على عظمة حضارة الإسلام في العدل والمساواة والرحمة.
لقد أراد السلطان (سليمان القانوني) أن يبني مسجدًا باسمه في إسطنبول، وقد بحث رجال السلطان عن أفضل مكان يكون صالحًا لهذا المسجد العظيم، فاتفقوا جميعًا في النهاية على مكانٍ فسيح جميل، ولم تكن هناك أية مشكلة في البناء فيه إلا مشكلة صغيرة، هي أن يهوديًّا يملك كوخًا صغيرًا بداخل هذا المكان، ولا بد من إزالته قبل المباشرة في البناء.
وبأمر من السلطان ذهب رجاله لشراء الكوخ من اليهودي، عارضين عليه ثمنًا مناسبًا يستطيع أن يشتري به بيتًا أفضل من هذا الكوخ، لكن اليهودي الماكر رفض بيع الكوخ، وعبثًا حاول رجال السلطان أن يشتروا منه الكوخ بأضعاف الثمن الذي عرضوه عليه سابقًا، لكنه كان لئيمًا؛ فرفض بيع الكوخ تمامًا، وعندما عجز رجال السلطان عن التفاوض مع اليهودي، أبلغوا السلطان أن يأخذوا الإذن بطرد اليهودي المعانِد من مكانه وهدم الكوخ، ولكن السلطان رفض تمامًا هذا الاقتراح، ثم قرَّر أن يذهب هو بنفسه لمفاوضة اليهودي، وفُوجِئ الجميع وأدهشهم الأمر، وذهب بالفعل السلطان (سليمان القانوني) بنفسه، ونزل عن جوادِه، ودقَّ باب الكوخ على اليهودي، وفتح اليهودي الباب، ففوجئ بالسلطان وحوله بعض رجاله، وأذهله حضور السلطان، وطلب منه بيع الكوخ بكل تواضع وبأي ثمن، بل وقد عرض عليه السلطان أضعاف المبلغ الذي عرضه عليه رجاله سابقًا، وسرعان ما وافق اليهودي على هذا العرض السخي الذي قدمه له السلطان بنفسه!
وهكذا بني جامع السليمانية على التقوى، والذي يعتبر حاليا من اهم واشهر المساجد في تركيا.
الاحتجاجات والاشتباكات الجارية حاليا في الولايات المتحدة على خلفية وفاة جورج فلويد أثناء اعتقاله من قبل الشرطة تحوي معاني وإشارات هامة:
– فالظلم مؤذن بخراب العمران وزوال الحضارات. فمهما كانت السيادة والتفوق العسكري أو الاقتصادي أو “الحضاري”، فإن الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وتكريس العنصرية والكراهية المجتمعية -سواء كان على أساس العرق أو الانتماء أو غير ذلك- هو في حقيقته تفكك وانهيار منتظر الحدوث ولا يمكن تجاهله أو الاستمرار معه إلى الأبد باستعمال القمع والقهر.
– فقد شاهد العالم واستمع إلى ترامب وهو يهدد باستدعاء الجيش الأمريكي للسيطرة على الاحتجاجات، وهو ما يمثل نمطاً يكاد أن يجمع بين المستبدين حتى في دولة ديمقراطية كالولايات المتحدة. فأصحاب العقليات المستبدة لا يمانعون أن تحترق الأرض وأن يقتتل أبناء الشعب الواحد وبالسلاح الذي دفعوا ثمنه من أجل استقرار أنظمتهم.
– وإذا كان الحال كذلك في أكثر الدول تفوقاً من الناحية العسكرية والاقتصادية، فلك أن تتصور كيف يكون في أنظمة دكتاتورية لا تملك من أدوات التفوق الحضاري شيئاً يذكر، ولا تعرف غير سرقة موارد شعوبها وإهدارها لتطوير أدوات القمع وتكريس التبعية للدول الكبرى لتشتري بقاءها في مواقعها.
– ربما أنتجت القرون الأخيرة من عمر البشرية تطورات هائلة في مناحٍ مختلفة، علمية وصناعية وعسكرية وصحية وغير ذلك. لكن الواقع يقول أن كل ذلك لم يأت بتطور إنساني حقيقي، وإنما كان في حقيقته لصالح فئة معينة من البشر. وأن إعلاء قيمة “الإنسان” لتكون فوق كل شيء لا مآل لها نظريا وواقعيا إلا بإعلاء تلك الفئة المستغلة فقط.
وإن الذي جاء به دين الإسلام منذ 14 قرناً من التأكيد على المساواة بين الناس قد عجزت عنه كل المناهج البشرية والدينية المحرفة أو المخترعة. ولقد كانت آخر وصايا الرسول (ﷺ): “يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ” وهذه المعاني لم تكن مجرد شعارات، بل كانت منهجا مشهوداً في واقع الناس على مر التاريخ ومع توسع وانتشار دولة الإسلام، حتى في ظلال أنظمة تغلبت على الحكم بالظلم والجور في تاريخنا.
– ولذلك فإن المناهج البشرية التي توصف بأنها بالريادة الحضارية لم تتمكن بعد كل تلك القرون من التطور الحقوقي والقانوني المزعوم أن توفر مساواة حقيقية، سواء على مستوى العرق أو العدالة الاجتماعية. فالأمريكيون الأفارقة الذين عانوا ظلما غير عادي على يد الرجل الأبيض لقرون، ما زالوا حتى اليوم يعيشون ذلك حتى بعد عقود من تغيير القوانين، ولا يغرنك أن واحدا منهم قد أصبح رئيسا أو ما شابه ذلك من أمور لا يمكنها طمس حقيقة الظلم والتفرقة الحاضرين. حتى أن ترامب نفسه استمر في إطلاق التصريحات المستفزة والمؤججة للعنف لكسب اصوات اليمينيين ولعدم أهمية أصوات السود والاقليات الذين يصوتون عادة للديمقراطيين وخاصة بعدما حدث.
– وأما العدالة الاجتماعية، فإن الشعور بالظلم وعدم المساواة، وامتلاك فئة محدودة للثروة والسلطة؛ هو ما يدفع بقية الناس التي تعيش وهم الحضارة واحترام القانون؛ للهجوم على المحال التجارية لسرقتها وإفراغ الأرفف من البضائع التي يحتاجونها أو لا يحتاجونها، لأن الشعور بالظلم وفقدان المعان الأخلاقية الذاتية الغائبة عن الحضارة الغربية لا تنتج إلا مثل ذلك.
– لذلك كله، نؤكد دائما على أننا نقف مع كل المظلومين، وأننا ندعو كل الشعوب المقهورة لرفض الظلم والثورة عليه، لأن الحق لا يتجزأ، ولأن الحكومات العنصرية التي يقودها الرجل الأبيض الأمريكي؛ قد قتلت الملايين في بلادنا دون أن تتحرك شعوبها، حتى طالها الظلم في النهاية.