اخبار ليل ونهار. شرح دعاء كشف الهم والحزن وغلبة الدين وقهر الرجال. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)، هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من دعواته العظيمة ذكرها مسلم وغيرها، والهم: هو انشغال النفس واضطراب القلب لتوقع مكروه يقع في المستقبل.
والحزن: تألم القلب والنفس لأمر مكروه وقع بالفعل.
وغلبة الدين معروف، يعني ثقل الدين وعجزه عن تسديده، وغلبة الرجال أن يغلبوه في أن يقهروه حتى يقتلوه أو يأخذوا ماله، أو يهينوه ويظلموه إلى غير ذلك، فهو يستعين بالله من غلبة الدين وقهر الرجال، فالدين إذا عجز عنه يشغل فكره كثيرا ويهمه كثيرا وربما أتعبه أهله أيضا، أهل الدين بالمطالبات والخصومات وهم لا يعرفون عجزه وحقيقة أمره، وغلبة الرجال لا شك أنها مصيبة عظمى سواء قهروه على قتله أو قهروه على أخذ ماله، أو بعض ماله، أو قهروه على ضربه، أو قهروه على غير ذلك مما يضره فكله شر وكله بلاء عظيم ومصيبة عظيمة، فلهذا شرع الله الاستعاذة من ذلك.
روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال يا أبا أمامة: ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني.
فانظر كيف أقعده الهم فترك الضرب في الأرض وذهب ليجلس في المسجد لتعلم ما يصنع الهم بالناس.
ثم انظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم دله على ما يزيل الله به عنه همه، ويقضي الله به عنه دينه، ولم يتركه للهم يأكله والغم يقعده؛ فصلى الله عليه من نبي رؤوف رحيم.
وقد فُسِّر لفظ القهر الوارد في هذا الحديث، بما ثبت في صحيح البخاري، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال.
فالقهر سببه الغلبة، فالرجل إذا شعر بغلبة الرجال له، وتسلطهم عليه، بحق، أو بغير حق: تسبب ذلك في حصول الكمد والقهر في نفسه.
قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله: ” ( من غلبة الدين ): أي كثرته وثقله، ( وقهر الرجال ): أي غلبتهم … ” انتهى من ” عون المعبود شرح سنن أبي داود “.
وقال رحمه الله – أيضا – : ” ( وغلبة الرجال ) أي: قهرهم وشدة تسلطهم عليه، والمراد بالرجال الظَّلَمة، أو الدائنون، واستعاذ عليه الصلاة والسلام من أن يغلبه الرجال؛ لما في ذلك من الوهن في النفس ” انتهى من ” عون المعبود شرح سنن أبي داود “.
اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشرح صدورنا وصدور جميع المسلمين.. آمين.
والله تعالى أعلى وأعلم.