هذا مصير الظالمين والطغاة.. قصة موسى وفرعون

الطغيان آفة من الآفات التي تنزل بالأقوام والشعوب فتدمر كيانها، وتهلك أهلها، وتأتي على الأخضر واليابس فيها، وحين يزداد الطغيان بين الناس، وتستشري شروره ثم يركن الناس إلى الطغاة، ويستمرئون الخضوع والاستكانة لمظالمهم وطغيانهم، يعمهم الله بالعذاب، ويحاسبهم على ذلك محاسبته للطغاة أنفسهم.

ولقد كان فرعون مثلا صارخا للطاغية المتجبر، وكان قومه صورة للأقوام التي خضعت وتابعت الطاغية، ووصل الأمر بفرعون إلى ادعاء الألوهية والاستخفاف بعقول الناس، والإعراض عن كل الآيات التي جاءته من الله حتى أهلكه الله وقومه.

قصة فرعون

ووردت قصة فرعون في سبع وعشرين سورة، فضلا عن الإشارة إليها في ثنايا بعض السور الأخرى، وعرضتها الآيات مفصلة ومقتضبة، وعرضت صورا لطغيان فرعون وضلالاته وبغيه وكفره.

وأمرُ فرعون مثلٌ لكل طاغية يجاوز الحد في الظلم والتجبر والاستبداد والمعصية، والاستخفاف بعقول الناس وإرادتهم ومصالحهم، وكلما أنس منهم السكوت على ظلمه، والخضوع لبغيه وعدوانه ازداد صلفا وتجبرا وتمردا، حتى يصل إلى التألُّه، وادعاء الإرادة المطلقة في مصائر الناس من حوله.

وفرعون في التاريخ المصري رجل عاتٍ كانت الأمة المصرية تدين بعبادته وتذعن لقداسته، وكان الملوك الفراعنة في قديم الزمان يحيطون أنفسهم بهالة من التقديس، ويضعون مكانتهم في إطار من الألوهية، لا جهلاً منهم بأنهم أناس لا يختلفون عن غيرهم، ولكنهم يفعلون ذلك تمويهاً على العامة حتى يأمنوا غائلة الثورات الهوج من الذين يطمعون في تبوُّؤ عرش الملك.

والطاغية يلجأ إلى كل المحاولات الظالمة للتنكيل بالمعارضين والبطش بالدعاة إلى الله، ولا يمنعه شيء من ارتكاب كل جريمة مهما بدت منافية للخلق والمنطق.

أتباع الطاغية ومواقفهم: ولكل طاغية أعوان: منهم من يعين بالرأي للتضليل والإفساد وتزيين الباطل للناس وإنفاذ رغبات الطاغية مثل (هامان)، ومنهم من يعين بالمال، قال الله تعالى: (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين (8)). سورة القصص.

ولكن الله لهؤلاء بالمرصاد: للطاغية وأعوانه ولكل من يشايعه ويخضع له: (واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون (39) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين (40) وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون (41) وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين (42)). سورة القصص.

وهذه الآيات تضع للناس معالم الطريق في الحياة كي لا يكون لهم حجة في اتباع الظالمين، والخضوع للطغاة والجبارين، أيا كانت الأسباب والحجج؛ لأن في ذلك إنكارا لقدرة الله وألوهيته وربوبيته، وتكذيبا لما عنده في الدنيا والآخرة؛ فالمؤمن لا يخشى إلا الله، ولا يخضع إلا لسلطانه، ولا يرضى بغير الحق، ولا يشايع الباطل والظلم والطغيان حتى لا يرد مورد الطغاة كما حل بفرعون وقومه.

ولذلك ضرب الله لنا أمثلة رائعة من إنكار المنكر والتبرؤ من الطغيان والطاغية والخروج عن طغيانه، وعدم الاكتراث بما يحل بالمنكرين والمتبرئين من أذى في الحياة؛ لأن ما عند الله خير وأبقى.

فهذه امرأة فرعون وهي أقرب الناس إليه تتبرأ منه، وتكشف باطله وتدعو الله عز وجل أن يبدلها الجنة، ويورثها المغفرة بدلا مما هي فيه، لم تخش جبروت الطاغية ولم تضللها أكاذيبه، ولم تغرها الأبهة والملك والجبروت والزينة في الدنيا: (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين (11)). سورة التحريم.