اخبار ليل ونهار. حكم الدعاء على الظالم.. وقصة عجيبة عن تأثير دعوة المظلوم. لا حرج في الدعاء على من ظلم بقدر ظلمه، قال الله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ). [النساء:148]، فمن ظلم استحق أن يدعى عليه، وإذا سمحت وعفوت فلك أجر عظيم، وإذا دعوت على من ظلمك بقدر ظلمه وأن الله يجازيه عن ظلمه بما يستحق فلا حرج، وإذا تركت وعفوت فالأجر أكبر، ولك أجر عظيم إذا عفوت وصبرت. نعم.
فإذا ثأر المظلومُ لنفسه وفعل بالظالم مثل ما فعل به كان منتصرا، وهذا جائزٌ بشرط ألا يتعدى، قال تعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ). {الشورى :41}.
وإذا دعا على من ظلمه كان ذلك نوع انتصارٍ أيضا، ولا يلزمُ من ذلك أن يكون كالأول، ووجه كونه انتصارا ما فيه من التنفيس عن المظلوم وتخفيف همه كما هو مُشاهدٌ معلوم، فإذا تركه ووكل أمر الظالم إلى الله كان ذلك أولى وأحسن وأدخلَ في باب العفو، ويدل لذلك ما رواه أبو داود عنْ عائشة رضي الله عنْها قالت: سُرِقَتْ مِلْحفةٌ لَهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَن سَرَقَهَا، فَجَعَلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: لَاْ تُسَبِّخِي عَنْهُ . قال أبو داود: لا تسبخي : أي : لا تخففي عنه. صححه الألباني في صحيح الترغيب.
اقوى دعاء على الظالمين
حكم الدعاء على الظالم.. وقصة عجيبة عن تأثير دعوة المظلوم
ولا يلزمُ من كون الدعاء انتصارا أن يرتفع الظلم بمرة، بل قد يؤخر الله استجابة الدعاء لما له في ذلك من الحكمة، ولا يعني هذا أن الدعاء على الظالم لا يجوز، بل هو جائزٌ لا حرج فيه قال الله عز وجل: (لَاْ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا). {النساء:148}.
قال ابن كثير في التفسير: قال ابن عباسٍ في الآية : يقول: لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: (إِلّا مَنْ ظُلِمَ ) ، وإن صبر فهو خيرٌ له انتهى.
وقد دعا جمعٌ من الصحابة على من ظلمهم؛ كما دعا سعيد بن زيد على المرأة التي غصبته داره، ودعا سعد بن أبي وقاص على الذي بهته من أهل الكوفة، وهذا كله ثابتٌ في الصحيح.
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي. رواه البخاري في الأدب المفرد.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قلّما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: الّلهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ . . . واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا، وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا . رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فهذا كله يدلُ على جواز الدعاء على الظالم ولا يُنافي كونه نوع انتصار، والأولى تركه والعفو عمن ظلم كما دل على ذلك صريح القرآن، قال تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ). {النحل :126}، وقال تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). {الشورى :43}، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر: يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ. رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.