حسبنا الله ونعم الوكيل.. سلاح الانبياء والصالحين والمظلومين

حسبنا الله ونعم الوكيل.. سلاح الانبياء والمظلومين.حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، هِيَ مَنْهَج حَياة، نَلُوذُ بِهَا، وَنَعْتَصِمُ بِهُدَاهَا فِي أَحْوَالِنَا كُلِّها، دعاء تهتز له القلوب، يرفعه المظلوم، ويهتف به المكلوم، فيدك عروش الظالمين، ويُجبر به كسر المكسورين، باستجابة الله لهم، بحسب نياتهم، بعد أن يفوضوا الأمر له، ويتوكلوا عليه. إنه قول: “حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.

حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، اسْتشْعرَها مُحَمَّد – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم – بعْد غَزْوَة أُحُد، فَقِيل لَه وَقَدْ تَجَمَّعَت عَلَيْه الكُلُوم وَالهُمُوم: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ فقال هو وأصحابه: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: 173 – 174].

“حسبي الله ونعم الوكيل” من أعظم الأدعية الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة، ويمكن تفصيل الحديث عن هذا الدعاء في النقاط الآتية:

بالفيديو.. دعاء شامل وكافي لكل مبتلى ومريض ومحتاج ومظلوم

أولا: دليل مشروعيته:

وردت مشروعيته في القرآن الكريم في حكاية الله عز وجل عن الصحابة الكرام في أعقاب معركة أُحُد، في “حمراء الأسد”، وذلك حين خوَّفهم بعضُ المنافقين بأن أهل مكة جمعوا لهم الجموع التي لا تهزم، وأخذوا يثبِّطون عزائمهم، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بوعد الله، وتمسكا بالحق الذي هم عليه، فقالوا في جواب جميع هذه المعركة النفسية العظيمة: حسبنا الله ونعم الوكيل.

يقول عز وجل: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ . الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آل عمران/172-174.

بل ورد في صحيح البخاري رحمه الله (رقم/4563) أن تلك الكلمة كانت على لسان أولي العزم من الرسل، قالها إبراهيم عليه السلام في أعظم محنة ابتلي بها حين ألقي في النار، وقالها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم في مواجهة المشركين في “حمراء الأسد”.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ: قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِي فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

ثانيا: معنى هذا الدعاء:

يقول العلماء إن معنى: حسبنا الله: أي الله كافينا، فالحسب هو الكافي أو الكفاية، والمسلم يؤمن بأن الله عز وجل بقدرته وعظمته وجلاله يكفي العبد من كل ما أهمه وأصابه، ويرد عنه بعظيم حوله كل خطر يخافه، وكل عدو يسعى في النيل منه.

وأما معنى: (نعم الوكيل)، أي: أمدح من هو قيِّم على أمورنا، وقائم على مصالحنا، وكفيل بنا، وهو الله عز وجل، فهو أفضل وكيل؛ لأن من توكل على الله كفاه، ومن التجأ إليه سبحانه بصدق لم يخب ظنه ولا رجاؤه، وهو عز وجل أعظم من يستحق الثناء والحمد والشكر لذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “أي: الله وحده كافينا كلَّنا ” انتهى من “منهاج السنة النبوية” (7/204).

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “(حَسْبُنَا) أي: كافينا في مهماتنا وملماتنا، (وَنِعْمَ الْوَكِيل) إنه نعم الكافي جل وعلا، فإنه نعم المولى ونعم النصير.

ولكنه إنما يكون ناصرا لمن انتصر به واستنصر به، فإنه عز وجل أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره أعانه وساعده وتولاه، ولكن البلاء من بني آدم، حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان، ويعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية “انتهى من” شرح رياض الصالحين” (1/542).

ثالثا: فضل هذا الدعاء:

هو من أعظم الأدعية فضلا؛ وأعلاها مرتبة، وأصدقها لهجة؛ لأنه يتضمن حقيقة التوكل على الله عز وجل، ومَن صَدَق في لجوئه إلى ربه سبحانه حقق له الكفاية المطلقة، الكفاية من شر الأعداء، والكفاية من هموم الدنيا ونكدها، والكفاية في كل موقف يقول العبد فيه هذه الكلمة يكتب الله عز وجل له بسببها ما يريده، ويكتب له الكفاية من الحاجة إلى الناس، فهي اعتراف بالفقر إلى الله، وإعلان الاستغناء عما في أيدي الناس.

بالفيديو.. لماذا تشتد الحرب على المساجد الان ؟

ومع ذلك، فننبه إلى أنه لم يرد في حديث خاص أن من قالها كان له من الأجر كذا وكذا، لكن قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/3، دليل على أن من توكل على الله حق التوكل، وعده الله سبحانه أن يكفيه ما أهمه، ويكون حسيبه وحفيظه، فلا يحتاج إلى شيء بعده، وكفى بذلك فضلا وثوابا؛ فإن من كفاه الله سَعِدَ في الدنيا والآخرة بقدرة الله وعزته وحكمته، ولذلك قال تعالى في الآية الأخرى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال/49، بل كان جزاء المؤمنين في أعقاب “أُحُد” حين قالوا هذه الكلمة أن رجعوا بفضل الله عز وجل وكرامته وحفظه: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آل عمران/174. ينظر: “زاد المعاد” (2/330).

رابعا: مواضع مناسبة الدعاء بـ “حسبنا الله ونعم الوكيل”:

يناسب هذا الدعاء كل موقف يصيب المسلم فيه هم أو فزع أو خوف، وكذلك كل ظرف شدة أو كرب أو مصيبة، فيكون لسان حاله ومقاله الالتجاء إلى الله، والاكتفاء بحمايته وجنابه العظيم عن الخلق أجمعين.

ونلاحظ مما سبق أن هذا الدعاء يمكن أن يقال في مواجهة المسلم الظالم، وليس فقط الكافر، كما يمكن أن يلجأ إليه المهموم أو المكروب أو الخائف بسبب تعدي أحد المسلمين.

وأما الظالم الذي قيل في حقه هذا الدعاء فليس له إلا التوبة الصادقة، وطلب العفو ممن ظلمهم وانتهك حقوقهم، ورد المظالم إلى أهلها؛ وإلا فإن الله عز وجل سيكون خصمه يوم القيامة، وغالبا ما يعجل له العقوبة في الدنيا، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.

والله تعالى وأعلم.

شاهد ايضا

بالفيديو.. طبيب مسيحي يتحدى الداعية ذاكر: جاوب سؤالي وساعتنق الاسلام الان!