ملخص القصر والجمع في صلاة المسافر

البعض قد يسافر الى محافظة او دولة اخرى، وقد لايعلم ان هناك تخفيف في الصلاة الرباعية، كما انه يمكنه ان يقوم بجمع صلاتين معا.

السنة للمسافر أن يقصر الصلاة في السفر تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وعملا بسنته إذا كانت المسافة ثمانين كيلو تقريبا أو أكثر ، فإذا سافر مثلا من مصر إلى أمريكا قصر ما دام في الطريق ، أو سافر من مكة إلى مصر أو من مصر إلى مكة قصر ما دام في الطريق ، وهكذا إذا نزل في بلد فإنه يقصر ما دام في البلد إذا كانت الإقامة أربعة أيام فأقل فإنه يقصر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة في حجة الوداع ، فإنه نزل بمكة صبيحة رابعة في ذي الحجة ولم يزل يقصر حتى خرج إلى منى في ثامن ذي الحجة . وكذلك إذا كان عازما على الإقامة مدة لا يعرف نهايتها هل هي أربعة أيام أو أكثر فإنه يقصر حتى تنتهي حاجته ، أو يعزم على الإقامة مدة تزيد عن أربعة أيام عند أكثر أهل العلم .

القصر معناه صلاة الصلاة الرباعية ركعتين فقط، فلا قصر في الفجر والمغرب، أما الجمع فمعناه جمع صلاتي الظهر والعصر تقديما او تأخيرا، وجمع صلاتي المغرب مع العشاء تقديما او تأخيرا.

والجمع في الظهر والعصر يكون بصلاة ركعتين للظهر ثم السلام ثم ركعتين للعصر ثم السلام، بشرط أن يكون لكل ركعتين إقامة مستقلة، وأن تكون الصلاتان متتابعتان من غير فاصل طويل، وأن ينوي الجمع عند قيامه بهما، وكذلك الجمع بين المغرب والعشاء في وقت المغرب أو وقت العشاء مثل ذلك.

ولا جمع في صلاة الفجر، كما لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب.
وقد أجاز كثير من الفقهاء الجمع والقصر للمسافر، على أن تكون مسافة السفر/90/كم فأكثر.

ثم إذا زادت إقامتك عن أربعة أيام فلا يجوز لك الجمع والقصر عند الشافعية، ولكن الحنفية يجيزون لك القصر دون الجمع ما دمت لم تنو الإقامة مدة /15/ يوما فأكثر مهما طال سفرك، ولك أن تقلد أي المذهبين شئت.

وتبدأ أحكام السفر إذا فارق آخر بيوت بلده، قاصدا مكانا يعتبر سفرا، ويستمر حكم سفره حتى يدخل إلى بلده عائدا.

تفصيل حُكم صلاة المسافر:

يُشرَعُ للمسافرِ قَصْرُ الصَّلاة الرُّباعية إلى ركعتينِ؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ﴾ [النساء: 101]، وقد تواترت الأخبارُ أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يقصُرُ في أسفارِهِ، ولكن اختَلف العلماءُ في حُكم القصْرِ في السَّفر؛ فمنهم مَن يرى أنه يجب على المسافر أن يقصُر الصلاة، وأنَّ من أتمَّ الصَّلاة: أثِمَ بذلك، وذهب آخرون إلى أنَّ القصْرَ رخصةٌ (إن شاءَ المسافر صلَّى ركعتين، وإنْ شاءَ أتَمَّ)، ثم اختلف هؤلاء أيضاً: (هل الإتمامُ أفضلُ أم القصْرُ؟)، وما أعجبَ قولَ الإمامِ أحمدَ: ” أنا أحِبُّ العافية من هذه المسألةِ”[1]، وإن كانَ المشهورُ عنه رحمه الله: أنَّ المسافر إن شاءَ صلَّى ركعتين، وإنْ شاءَ أتَمَّ.

قال الشيخ عادل العزَّازي: (الأرجحَ – عندي – القولُ بوجوبِ القصْرِ، فلا ينبغي للمسافر الإتمامُ إلا إذا كان عنده تأويلٌ في إتمامِهِ، أو كان يصلِّي خلف مُقِيمٍ، أو كان يعتقدُ أنَّها رخصةٌ فقط؛ فلا يُنكَر عليه؛ فإنَّها من موارد النِّزاع التي يَسَعُنا فيها الخلاف).

ما هي أقلّ مسافة للقصر؟ (يعني ما هي أقلّ مسافة يجوز للمسافر أن يَقصُر عندها؟)

اختلف العلماءُ اختلافًا كثيرًا في تحديدِ المسافةِ التي يُشرع فيها القصْرُ، عِلمًا بأنَّ الآياتِ والأحاديثَ قد أطلقت السَّفرَ، فلم تحدد أقلّ مسافة للقصر.

قال ابن تيميَّة رحمه الله: “.. كلُّ اسمٍ ليس له حَدٌّ في اللغة ولا في الشَّرع، فالمرجِعُ فيه إلى العُرْف [2] “، (يعني ما أطلقَ عليه العُرف أنه سفر فهو سفر، وما لم يُطلِق عليه العُرف أنه سفر فليس بسَفَر)، بمعنى أنك إذا كنتَ تنوي الذهاب مثلاً إلى مدينة معينة، فهل أنت تقول: إنني سأذهب إلى مدينة كذا أم تقول: إنني سأسافر إلى مدينة كذا؟.

المدة التي يقصر فيها المسافر:

اختلف العلماءُ كذلك في المدَّةِ التي إذا أقامها المسافرُ يكون مُقِيمًا – (يعني لا يَقصُر الصلاة) -، ويجب عليه الإتمامُ، فبعضُهم يرى ألا تزيدَ عن أربعة أيَّام، وبعضُهم يمدُّها إلى خمسة عشَر يومًا، وهناك رأيٌ آخَر – ذهب إليه الشَّوكاني – وهو أنَّ مَن حطَّ رَحله ببلدٍ ونوى الإقامةَ بها عدداً من الأيَّام من دون تردُّدٍ، لا يقالُ له: مسافرٌ، فيتمُّ الصَّلاةَ ولا يقصُر إلا لدليلٍ، وهناك أقوالٌ أخرى.

فمِن ذلك قولُ مَن يقول: إنَّ الشرع أطلق، ولم يقيِّدْ ذلك بزمنٍ كما لم يقيِّدْه بمسافةٍ، وقد ثبت أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أقام في تبوكَ عشرينَ يومًا يقصُرُ الصَّلاة[3]، وفي مكَّةَ سبع عشْرةَ ليلةً يقصُر الصَّلاة[4]، وكانت هذه الإقامةُ موافقةَ أحوالٍ، فلَم يقُلْ – صلَّى الله عليه وسلَّم – مَن أقام أكثرَ من ذلك أتمَّ، ولذلك كان هذا القولُ من الأقوال الرَّاجحة: إنَّ المسافر مسافرٌ، سواءٌ نوى إقامةَ أكثرَ من أربعةٍ أو عشرين، أو دون ذلك، أو أكثر، وعلى كلّ حال، فهذه من مسائلِ الاجتهادِ، التي يسَعُ فيها الخلافُ.

ولكن، إذا نزل على دارٍ له، أو نحو ذلك: فهل يكونُ مسافرًا؟

الرَّاجح: أنَّ مثلَ هذا يُعَدُّ مُقيمًا لا مسافرًا، ويرى بعض العلماء أنه يكون مسافراً، لأن هذا المكان لا يُعَدُّ مكان استقرار دائم له، أما إذا كانَ سينزل على بيت أحد أقربائه أو أحد أصدقائه فإنه يكون مسافراً بلا خِلاف.

مسائل وملاحظات:

(1) القصْرُ لا يكونُ إلا في الصَّلاة الرباعيَّة، وأما صلاةُ الصُّبح والمغرب، فلا قصْرَ فيهما.

(2) المتردِّد الذي لَم يعزم على إقامةٍ، فإنه يَقصُرُ الصلاة، ولو ظلَّ زمانًا طويلاً.

(3) الراجح أنّ السُّفراء والدُّبلوماسيُّون المُقيمون بالسِّفارات في حُكم المُقيمين، وكذلك الذين يعملون خارج بلادِهم أو يدرُسون؛ فهؤلاء جميعًا يُتمُّون، (وفي المسألة نِزاعٌ بين العلماء)، فلا نُنكِرْ على مَن يعتبر أنهم مسافرون، أما سَائقوا سيارات السَّفر والشَّاحنات والقِطارات والطائرات فهم مسافرونَ يُقصِرون الصلاة طالما أنهم لَم يصلوا إلى دارِ إقامتهم (يعني طالما لم يصلوا إلى بيوتهم).

(4) تبدأُ رخصة القصْرُ للمسافر بعد مغادرتِه لمحل إقامته (وهو الحي الذي يسكن فيه)، ولا يجوزُ له القصْرُ وهو في دار الإقامة.

(5) إذا نسي صلاة معينة وهو في سفرٍ معين، ثم تذكَّرَ هذه الصلاة وهو في سفرٍ آخر، فإنه يصلِّيها قصْرًا، وكذلك إن تذكَّرَها وهو في حضَرٍ، فالصَّحيح أنه يقصُر أيضاً، وأما إن فاتته صلاةٌ في حضَرٍ فتذكَّرها في سفَرٍ، فالراجح أنَّه يتمُّها؛ أي: أنَّ الاعتبار بحال فرضِها عليه لا بحال أدائِها.

(6) إذا حوصِر أو حُبس عن سفرِه، فهو في معنى المتردِّد، حتى لو عَلِم أنه سيُقيم مدَّةً طويلة، فهذا يقصُر الصلاةَ، وكذلك مَن أقام إقامةً مقيَّدة (لا يدري متى تنتهي)، فإنه يقصُر أبدًا، مِثل مَن يُقيم للعلاج ولا يدري متى ينتهي.

(7) مَن خرج للبحث عن شاردٍ، أو مَن ضلَّ في طريقه، فهذا يقصُر أبدًا حتى يعودَ إلى وطنِه.

(8) إذا ائتمَّ المسافرُ بالمقيمِ، فإن المسافر يُتِمَّ؛ فإنَّ هذه هي السُّنة[5].

(9) إذا أدرك المسافرُ ركعةً واحدة من صلاةِ الإمامِ المُقيمِ فهل يقصُرُ أم يتمُّ؟ (يعني هل يأتي بركعةٍ أخرى فقط بعدما يُسَلِّم الإمام؟، أم يأتي بثلاث ركعات؟) فيه خلافٌ، والرَّاجح: أنه يُتِمّ الصلاة أربع ركعات.

(10) إذا صلَّى المسافرُ خلف إمامٍ لا يدري أهو مقيمٌ أو مسافرٌ، فجعل نيَّتَه معلَّقة؛ بمعنى أن يقول: (إذا أتمَّ الإمامُ الصلاة: أتمَمتُ، وإذا قصَر: قصَرتُ معه)، فصلاتُه صحيحةٌ، وعليه فإنه يُتابع إمامَه، فإنْ كان مقيمًا: أتَمَّ خلفه، وإن كانَ مسافرًا: قصَر الصلاةَ مثلَه.

(11) إذا صَلَّى المسافرُ خلف إمامٍ مُقيم،ٍ ثم فسَدت صلاة المسافرَ (كأن يُنتَقض وضوءه أثناء الصلاة)، فهل يُعيدها تامَّةً أم قصْرًا؟ الرَّاجحُ أنه يُعيدها قصْرًا إذا صلَّى وحده، أو مع مسافرٍ مثلِه، وأمَّا إنْ أعادها خلف مُقيم: أتمَّ معه.

(12) إذا دخل وقتُ الصَّلاة وهو في بلدِه، ثم سافر قبل أن يصليها، فإنَّه يصليها قصراً (طالما أنه صلاها خارج بلده)، والعكس صحيح: فإذا دخلَ وقت الصَّلاة وهو في السَّفر، ثم وصل بلدَه، فإنَّه يُتِمُّها (أي أنَّ العِبرة بالمكان الذي يؤدي فيه الصلاة، وليس بدخول وقتها عليه).

(13) إذا صلَّى المسافر إمامًا، وكانَ بعضُ مَن خلفه مسافرين وبعضُهم مقيمين، فخرج من الصَّلاةِ لعذْرٍ واستخلف مكانه مُقيمًا: فإنَّ هذا المقيم يُتمَّ الصَّلاة، وعلى مَن خلفه الإتمامُ معه، سواءٌ كانوا مُقيمين أو مسافرين.

(14) قال ابنُ تيميَّة رحمه الله: “يُوتِرُ المسافر، ويركعُ سنَّةَ الفجر، ويُسَنُّ تركُ غيرِهما – يعني يُسَنُّ له ترْك باقي السنن الراتبة كَسُنّة الظهر والمغرب والعشاء -، والأفضلُ له التطوُّعُ في غير السُّنن الرَّاتبة”[6].

الجمع بين الصلاتين

هناك حالاتٌ يجوز الجمعُ فيها بين صلاتَي الظُّهر والعصرِ، وكذلك بين المغربِ والعِشاء، وهذه الحالات هي:

(أ) السَّفر: فيَجُوز للمسافرِ أن يجمعَ بين صلاتي الظُّهر والعصر جمعَ تقديمٍ (يعني يصلي الظهر والعصر معاً بعد أن يؤَذَّن للظهر، وقبل أن يؤَذَّن للعصر)، أو يجمعَ بينهما جمع تأخير (يعني يصلي الظهر والعصر معاً بعد أن يؤَذَّن للعصر)، وكذلك يجمع بين المغرب والعِشاء جمعَ تقديم أو تأخير، وسواءٌ في ذلك إذا كان أثناءَ السَّير – أي: راكباً -أو كان نازلاً في مكانٍ ما للاستراحة من السفر.

(ب، جـ) المطَر والخوف:

ودليلُ ذلك ما ثبت في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: “جمَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين الظُّهر والعصر، والمغرب والعِشاء بالمدينة من غيرِ خوفٍ ولا مطَر، قيل له: فماذا أرادَ بذلك؟ قال: أراد ألا يُحرِجَ أمَّتَه -أي: لا يُوقِعَ أمته في الحرج[7]، فقوْلُهُ: (مِن غير خوفٍ ولا مطر) يُفهَمُ منه أنه يجوز الجمع في الخوف والمطر.

والمطَر المقصود: هو الذي تلحقُه بسببه مشقَّةٌ وحرَجٌ من الذهاب إلى المسجد، وأما المطر اليسير الذي لا يبلُّ الثِّياب، فلا يدخل في هذا المعنى، وهذا يختلفُ من مكانٍ لآخرَ، والله أعلم، واعلم أنّ الجمع في المطَر ثابتٌ عن جماعةٍ من الصَّحابة منهم ابن عمرَ وابن عباس.

(د) المرض:

من الأعذار التي تبيح الجمعَ: المرَضُ الذي يلحقه مشقَّة لو صلَّى كلَّ وقتٍ لوقته؛ وذلك لعموم حديثِ ابن عبَّاس رضي الله عنهما المتقدِّم، وفيه: “أراد ألا يُحرجَ أمَّته”.

وقد أفادَ ابنُ تيميَّة رحمه الله: (أنّ أوسَعُ المذاهبِ في الجمعِ: مذهبُ أحمدَ؛ فإنه جوَّزَ الجمعَ إذا كان له شغل)، وَقد فَسَّرَ القاضي وغيرُه نصَّ أحمدَ على المراد بالشُّغل الذي يُبيح ترْكَ الجمُعة والجماعة”[8].

وعلى هذا؛ فليس كلُّ شغلٍ يُباح من أجلِه الجمعُ، بل المقصود به الشُغل الذي يُبيح ترْك الجماعة؛ كالخوفِ والمرض، والمشغول بالقيام على مريضٍ، ونحو ذلك مما يترتَّب عليه حرجٌ، مثالُ ذلك: لو أراد طبيبٌ القيامَ بعملية جراحيَّة تبدأ قبل العصرِ وتنتهي بعد المغرب، فإنه يجوزُ له الجمع بين الظهر والعصر لأداءِ عملِه بلا حرجٍ، ومثالٌ آخر: طالِبٌ سيدخل الامتحان قبل الظهر مباشرة، ولن ينتهي منه إلا بعد صلاة العصر، فهذا يجُوز له جمع التقديم أو التأخير حسب الأيسر له، وكذلك راكبُ الطائرة الذي سيركب الطائرة قبل الظهر مباشرة، ولن ينتهي من إجراءات المطار بعد وصوله إلا قُرْب وقت المغرب، مما يتسبب في ضياع الظهر والعصر عليه، فهذا يجُوز له جمع التقديم قبل ركوب الطائرة – إن تيسر له ذلك – وإن لم يتيسر له ذلك: جَمَعَ الظهر والعصر في الطائرة، وحينئذٍ يصلي في الطائرة بالإيماء ولا حرج.

قال الشيخ عادل العزّازي: (مَدَارُ الأمرِ على “رفع الحرج”؛ كما ثبت في الحديث، فقد يباح الجمعُ للشَّخص في وقت دفعًا للحرج، ولا يُباح له في كل وقتٍ، وعلى هذا إذا أمكن التناوبُ في بعض الأعمال للقائمين عليها، كان أَوْلى من الجمعِ؛ لعدم وجود الحرج، فإذا كانوا يعملون للطوارئ، أو من ينظِّمون المرور، سواءٌ في الطرقات أو السِّكَك الحديدية أو أبراج الطَّائرات ونحوهم مثلاً، صلَّى بعضُهم، وأقام البعضُ على العمل، ثم يصلُّون بعد انتهاء غيرهم).

ملاحظات:

(1) إذا كان الجمعُ من أجل المطر، فهذا يُختصُّ بمن يصلِّي في المسجد، وَلحِقَهُ مشقَّةٌ وحرَجٌ من الذهاب إلى المسجد، وأمَّا النساء – وكذلك مَن صلَّى في بيته وترخَّص بترك الجماعة -: فلا يُرخَّصُ في حقِّ هؤلاء الجمعُ.

(2) لا يَلزم أن يكونَ الجمعُ والقصر معًا، فقد يجمعُ ولا يقصُر (كالمريض، وفي حالة المطر والحرج)، وقد يجمع ويقصُر(كالمسافر).

(3) ما يذكُره بعض الفقهاء من (الجمعِ الصُّوريِّ) بأنْ يؤخِّر الأولى إلى آخر وقتِها، ويجمع معها الثَّانية في أول وقتها – لا دليلَ عليه، بل فيه من المشقَّة ما يتنافى مع رخصة الجمعِ وتيسير الشرع، والأفضل أن يجمع حسَبَ الأرفقِ به تقديمًا أو تأخيرًا، سواءٌ كان ذلك في سفرٍ أو مرَضٍ أو عذر، أو غير ذلك، وعلى هذا فيلاحَظُ:

أ- الأرفق بالنَّاس يوم عرفةَ جمعُ التَّقديم، وهو السنَّة، وفي مزدلفة جمعُ التَّأخير، وهو السنَّة كذلك.

ب- الأرفق وقتَ المطرِ بالنَّاس غالبًا هو جمعُ التَّقديم.

(4) الراجح أنه لا يُشترط أن ينوي نيَّةُ الجمع – أو نيَّة القصر – عند بدء الصَّلاة، وإنما الذي يُشترط فقط هو وجودُ سببِ الجمع والقصر، وعلى هذا؛ فلو وُجِدَ سببُ الجمع بعد انقضائِه من صلاة الأُولى، فالصَّحيح أنه يجمع معها الثانية، حتى وإن لم يكُن نوى الجمع عند أداء الأولى.

ومثالُ ذلك: لو صلَّوُا الظُّهر والسماء بها غيومٌ فقط ولَم تُمطر (ولم ينووا الجمع)، وبعد انتهائهم من الصَّلاة أمطرت السَّماء؛ فالصَّحيح أن الجمع جائزٌ؛ لأنَّ السبب وُجِدَ، ولأن الحديثَ على عمومه: “أراد ألاَّ يُحرجَ أمَّتَه”.

(5) لا يُشترط أن تكون الصَّلاتين متتابعتين، بل لو صلَّى الأُولى، ثم انشغل بشيءٍ، ثم صلَّى الثانيةَ: جازَ ذلك، قال ابن تيميَّة رحمه الله: “إذا صلَّى إحدى صلاتي الجمع في بيتِه والأخرى في المسجد، فلا بأسَ”[9].

(6) إذا دخل المسجد – وقد نوى جمعَ التَّأخير – فوجدهم يصلُّون العشاء، وهو لَم يصلِّ المغرب بعد، فإنه يصلِّي معهم المغربَ، فإذا قام الإمامُ للرَّابعة، جلس وتشهَّدَ وسلَّمَ، ثم قام وصلَّى معه ركعةً بنيَّةِ العِشاء وأتمَّ صلاتَه بعد سلامِ الإمام (والأفضل – حتى لا يحدث بَلبلة للمصلين الذين بجانبه – أن يصلي العشاء معهم، ثم يصلي المغرب، وليس عليه أن يصلي العشاء مرة أخرى، لأن الله لم يُوجِبْ على العبد أن يصلي الصلاة مرتين).

(7) إذا زال العذرُ بعد فراغِه من جمع الصلاتين معاً – وقبل دخولِ وقت الثانية -: أجزأه ذلك، ولا يَلزَمه أن يؤدي الثَّانية في وقتِها[10].

ومثالُ ذلك: (مُسافرٌ جمعَ وقصَرَ صلاتي الظُّهر والعصر جمعَ تقديمٍ، ثم وصل محِلَّ إقامتِه في وقت العصرِ) يعني قبل المغرب)، فإنَّه لا يلزمُه صلاةُ العصر مرَّةً ثانية).

(8) إذا نوَى المسافرٌ أن يجمع الظهر والعصر جمْعَ تأخيرٍ بعد أن يصل إلى محلِّ إقامته، ولكنه وصل إلى محلِّ إقامته بعد خروج وقت الظهر، فإنه يجمعُ فقط ولا يقصُر؛ لأنه وصل إلى بلدِه، فإن وصل إلى محلِّ إقامته قبل خروج وقت الظهر: فإنه يصلَّى كلَّ صلاةٍ لوقتها، إلا أن يشُقَّ ذلك عليه؛ بسبب إرهاقِهِ وتعبِهِ من السَّفر، فإنَّهُ يجوزُ له الجمعُ؛ دفعًا للحرَجِ.

(9) ينبغي للقائمين على ولايةِ الأعمال (كَمُدِيري المدارس والمعاهد والجامعات، والوَزارات والهيئات وغيرِهم) أن يُراعُوا أوقاتِ الصَّلاة، بحيث يسمحون لِمَن تحت ولايتهم بأداء الصَّلوات في أوقاتِها، واللهُ سائلهم عمَّا استرعاهم.

آداب تتعلَّق بالسفر يكثر الحاجة إليها[11]:

(1) إذا أراد العبدُ سفرًا: استُحبَّ له أن يشاورَ مَن يثِقُ بدِينه وخبرتِه وعلمِه في سفره في ذلك الوقت.

(2) إذا عزم على السَّفر: فالسنَّة أن يستخيرَ الله عزَّ وجلَّ قبْل سفرِه.

(3) إذا استقرَّ عزمُه على السَّفر: فإنه يبدأُ بالتَّوبة من جميع المعاصي والمكروهات، وردِّ المظالِم لأهلِها، ويقضي ما أمكنه من ديونِهم، ويردُّ الودائعَ، ويستحلُّ كلَّ مَن بينه وبينه معاملةٌ، ويكتب وصيَّتَه، ويُشهد أحد الناس عليها، ويوُكِّل مَن يقضي ديونَه، وأنْ يترك نفقته لأهله وَمَن يَعُولُهُم، وأنْ يوصي أحداً بوالديه، وأن يتحرّى النفقة الحلال.

(4) يُستحَبُّ أنْ يستكثر من الزَّاد؛ ليواسِيَ به رُفقاءَه.

(5) إذا أراد سفرَ غزٍو أو حجَّة: لزِمه تعلُّمُ كيفيَّتِهما، وإن كانَ لتجارةٍ: تعلَّمَ ما يحتاج إليه من البيوعِ، وما يصِحُّ وما يبطل، وما يحِلُّ وما يَحرُم.

(6) يطلب له رفيقًا موافِقًا راغبًا في الخير، كارهًا للشرِّ، إن نسِي ذكَّرَه، وإنْ ذكَر أعانَه، فإن تيسَّر له أنْ يكون عالِمًا فليتمسَّكْ به، ولْيحرِصْ على إرضاء رفيقِه في جميع طريقِه، ويحتمل كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، ويرى لصاحبِه عليه فضلاً وحُرمةً، ويصبرُ على ما يقع منه في بعض الأوقات.

(7) يُستحَبُّ أن يكونَ يومُ سفرِه يومَ الخميسِ؛ لِمَا ثبت أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يحبُّ أن يخرُجَ يوم الخميسِ”، ويُستحَبُّ أن يكونَ ذلك في البُكور؛ لأن النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((اللهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بكورِها)) [12]، وكان إذا بعث جيشًا أو سرِيَّةً، بعثهم في أوَّلِ النَّهار.

(8) يُستحَبُّ صلاةُ ركعتين قبْل خروجِه من بيتِه؛ لقولِه – صلَّى الله عليه وسلَّم – ((إذا خرجتَ مِن منزلِكَ فصَلِّ ركعتين؛ يمنعانِكَ من مَخرجِ السُّوء، وإذا دخلْتَ منزلَكَ، فصلِّ ركعتين؛ يمنعانِك من مَدخَلِ السُّوءِ)) [13].

(9) يُستحَبُّ أن يودِّعَ أهلَه وأصدقاءَه وجيرانَه، وأن يودِّعوه بأنْ يقولَ كلُّ واحدٍ لصاحبِه: ((أستودِعُ اللهَ دِينَك وأمانتَك وخواتيمَ عملِك))[14]، ويُستحَبُّ أنْ يدْعُوا له بقولِهم: ((زوَّدَك اللهُ التَّقوى، وغفر ذنبَك، ويسَّر لك الخيرَ حيثما كنتَ))[15].

(10) يقول الأدعية والأذكار الواردة عند الخروج من البيت، وعند ركوب الدابة (كالسيارة وغيرها)، وإذا نزلَ منزلاً، وغير ذلك.

(11) لا يسير ولا يسافِرُ وحده؛ لأن رسولَ اللهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((لو أنَّ النَّاسَ يعلَمون مِن الوَحْدةِ ما أعلم، ما سارَ راكبٌ بليلٍ وحده))[16].

(12) وأثناء الطَّريق لا ينفردُ عن النَّاس، بل يسير مع الرَّكْبِ، ويُكرَهُ تفرُّقُهم لغيرِ حاجة، فعن أبي ثعلبةَ الخُشنِيِّ رضي الله عنه أنه قال: “كانَ النَّاس إذا نزلوا منزلاً تفرَّقوا في الشِّعابِ والأودية، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ((إنَّ تفرُّقَكم في هذه الشِّعاب والأودية إنَّما ذلكم من الشَّيطانِ))، قال: فلَم ينزلوا بعدُ منزلاً إلا انضمَّ بعضُهم إلى بعضٍ، حتى لو بُسِطَ عليهم ثوبٌ لعمَّهم”[17].

(13)يُستحَبُّ أن يؤمِّرَ الرُّفقةُ على أنفسِهم أفضلَهم وأجودَهم رأيًا، ويطيعوه؛ لقولِهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ((إذا خرج ثلاثةٌ في سفَرٍ، فليؤمِّرُوا أحدَهم))[18] (يعني يختاروا مِن بينهم قائداً يَرَضَوْنَه، يكونُ أميراً عليهم (يعني يأتمرون بأمره)، وذلك حتى يتجنبوا الخِلاف والتنازُع).

(14) يُكرَهُ أن يستصحبَ كلبًا، أو يعلِّقَ في الدَّابةِ جرَسًا؛ لقولِهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ((لا تصحبُ الملائكةُ رُفقةً فيها كلبٌ أو جرَسٌ))[19].

(15) يُستحَبُّ السَّير في آخر الليلِ، لأن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((عليكم بالدُّلْجةِ؛ فإنَّ الأرضَ تطوى باللَّيلِ))[20].

(16) يُستحَبُّ مساعدةُ الرَّفيق وإعانتُه، ويُستحَبُّ لكبيرِ القوم أن يسير في آخِرِهم؛ لأن رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يتخلَّفُ في المسيرِ، فيُزجي الضَّعيفَ – أي: يَحُثُه على السير -، ويُردفُه – يعني يُركِبُهُ -، ويدعو له[21]”.

(17) يتجنَّب المخاصمةَ والمخاشَنة، ومزاحمةَ النَّاس في الطُّرق، ومواردِ الماء، وأنْ يصونَ لسانَه من الشَّتم والغيبة ولعنةِ الدَّوابِّ وجميع الألفاظ القبيحةِ، ويرفُق بالسَّائل والضَّعيف، ولا ينهر أحدًا منهم، ولا يوبِّخه، بل يواسيه بما تيسَّر، فإنْ لَم يفعَلْ: ردَّه ردًّا جميلاً.

(18) يُستحَبُّ للمسافر أن يكبِّرَ إذا صعِدَ، ويسبِّحَ إذا هبط، ولا يرفع صوتَه؛ لحديث أبي موسى رضي الله عنه: كنَّا مع النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وكنَّا إذا أشرفنا على وادٍ، هلَّلْنا وكبَّرْنا وارتفعت أصواتُنا، فقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ((أيها النَّاسُ، اربَعوا على أنفسِكم؛ فإنَّكم لا تدْعونَ أصمَّ ولا غائبًا، إنه معكم، إنَّه سميع قريبٌ))[22].

(19) يُستحَبُّ المحافظةُ على الطَّهارة وعلى الصَّلاة في أوقاتها.

(20) السنَّة أن يقول إذا نزل منزلاً: أعوذُ بكلمات اللهِ التَّامَّات مِن شرِّ ما خَلق، فإنه إذا قال ذلك: لَم يضرَّه شيءٌ حتى يرتحلَ مِن منزله ذلك[23].

(21) السنَّة للمسافر إذا قضى حاجتَه من سفره أنْ يعجِّل بالرُّجوع إلى أهله.

(22) السنَّة أنْ يقولَ في رجوعه: ((لا إلهَ إلا اللهُ وحده، لا شريك له، له الملكُ، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، آيِبُون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربِّنا حامدون، صدقَ اللهُ وعدَه، ونصَر عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده))[24].

(23) يُكرَه أنْ يأتيَ أهلَه ليلاً، بل السنَّة أنْ يأتيَهم في النَّهار، إلا أن يكونوا على عِلم بقدومه، وهي في هذا الزَّمان سهلةٌ بوسائل الاتِّصال، والحمد لله.

(24) إذا وصل منزلَه يُسَنُّ أن يبدأ بالمسجدِ القريب منه فيصلِّيَ ركعتين.

(25) يَحرُم على المرأةِ أن تسافرَ وحدها من غير ضرورةٍ إلى ما يسمَّى سفرًا، سواءٌ بعُدَ أم قرُبَ؛ لقولِه – صلَّى الله عليه وسلَّم – في حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: ((لا يخلونَّ رجُلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرمٍ، ولا تسافر المرأةُ إلا مع ذي مَحرم))، فقال رجُل: يا رسولَ الله، إنَّ امرأتي خرجت حاجَّةً، وإني اكتُتِبتُ في غزوةِ كذا؟ قال: ((انطلِقْ فحُجَّ مع امرأتِك))[25].

===================================================

[*] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي، بالاضافة الى توضيحات من الشيخ (أبو أحمد المصري).

[1] نقلاً من “مجموع الفتاوى” (24/40)

[2] “مجموع الفتاوى” (24/40).

[3] صحيح: رواه أبو داود (1235)، وأحمد (3/105) من حديث جابر بن عبدالله.

[4] البخاري (1080)، وأبو داود (1230)، والترمذي (549)، وابن ماجه (1075) من حديث ابن عباس.

[5] انظر (أحمد (1/216)، وصححه الألباني في “الإرواء” (571)) من حديث ابن عباس..

[6] “الاختيارات الفقهية” (ص135)

[7] مسلم (705)، وأبو داود (1211)، والترمذي (187)، وأحمد (1/223)

[8] انظر “الاختيارات الفقهية” (ص136 – 137)

[9] انظر “مجموع الفتاوى” (24/53 – 54)، و”الاختيارات الفقهية” (ص137)

[10] انظر المغني (2/124) بتصرف.

[11] من كتاب المجموع للنووي، بتصرف.

[12] صحيح: أبو داود (2606)، والترمذي (1212)، وابن ماجه (2236)، وأحمد (3/416)

[13] رواه البيهقي في شعب الإيمان (1/124)، والبزار في مسنده، وحسَّنه الحافظ ابن حجر، كما نقله المناوي في “فيض القدير”، وأورده الشَّيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1323).

[14] صحيح: رواه أبو داود (2600)، والترمذي (3442)، والنسائي في “عمل اليوم والليلة” (506)، وابن ماجه (2826) من حديث ابن عمر، ورواه أبو داود (2601)، والنسائي (507) من حديث عبداللَّه بن زيد الخطمي.

[15] حسن بطرقه؛ رواه الترمذي (3444) من حديث أنس، وله شاهد من حديث عبدالله بن عمرو؛ رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق.

[16] البخاري (2998)، والترمذي (1673)، وابن ماجه (3768)

[17] صحيح: رواه أبو داود (2628)، وأحمد (4/193)

[18] صحيح: أبو داود (2608)، والطبراني في الأوسط (8/99)

[19] مسلم (2113)، وأبو داود (2555)، والترمذي (1703)

[20] رواه أبو داود (2571)، وابن خزيمة (2555) بإسناد حسن.

[21] انظر أبو داود (2639)، وحسَّنه النووي في المجموع، وصحَّحه الشيخ الألباني في “صحيح الجامع” (4901)

[22] البخاري (2992)، ومسلم (2704)، وأبو داود (1526)، والترمذي (3461).

[23] انظر (صحيح مسلم (2708)، والترمذي (3437)، والنسائي في “عمل اليوم والليلة” (560)، وابن ماجه (3547))

[24] البخاري (1797)، ومسلم (1344)، وأبو داود (2770)، والترمذي (950)، والنسائي في “عمل اليوم والليلة” (539)

[25] البخاري (3006)، (5233)، ومسلم (1341)، وابن ماجه (2900).