اخبار ليل ونهار. بدء تنفيذ مشروع اردوغان الجنوني. على الرغم من تسارع الأحداث الهامة على الصعيد الخارجي والداخلي في تركيا، إلاَّ أنّه ما زال مشروع قناة إسطنبول يحتل عناوين الصحف التركية، ويثير جدلا واسعا في الأوساط التركية الداخلية، المشروع الّذي أُطلق عليه في تركيا اسم “مشروع أردوغان الجنوني”.
قناة إسطنبول الجديدة، تعتبر الحلم الشخصي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي فجر إعلانه عن البدء فيها المزيد من الاثارة والاشتعال.
من جانب اخر، تتخوف دبي بشدة من مشروع قناة اسطنبول، بسبب تأثيره الكبير على موانيء واستثمارات دبي، حيث أن المشروع عند اكتماله، سيربط البحر الأسود مع بحر مرمرة، وستنشأ حرب تكسير عظام بين إسطنبول ودبي!
منذ عدة سنوات وتحديدا في عام 2011، أعلن رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي آنذاك، عن مجموعة من “المشروعات العملاقة” التي تهدف إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي للبلاد ليصل إلى 2 تريليون دولار بحلول الذكرى المئة لإعلان الجمهورية، في عام 2023.
وتتضمن المشروعات العملاقة مطار اسطنبول الجديد، اكبر مطار في العالم، الذي افتُتحت المرحلة الأولى منه بالفعل في أبريل 2019، والمشروع الثاني هو مد طريق بري بطول الغابات الواقعة على ساحل البحر الأسود، وصولا إلى المطار الجديد، بهدف جلب البضائع من أوروبا وآسيا.
لكن المشروع الأكبر والأكثر إثارة للجدل هو “قناة اسطنبول”، التي قال الرئيس التركي أردوغان في ديسمبر الماضي إن الحكومة ستبدأ تنفيذها قريبا.
قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إن بلاده ستتخذ خطوات لإنجاز قناة “إسطنبول” التى ستصل البحر الأسود ببحر مرمرة، مشيرًا إلى أن هذه القناة ستكون علامة جديدة ورائدة على مستوى العالم.
يهدف المشروع إلى إنشاء ممرّ مائي غرب مطار إسطنبول الجديد، في موازاة مضيق البوسفور، يربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود، يقسم الجزء الأوروبي من المدينة إلى قسمين جاعلاً من الجزء الشرقي من القسم الأوروبي جزيرةً هي الأكبر في العالم، ستكون القناة بطول 45 كيلومتر، وستوفر آلاف فرص العمل، وأيضا سيقام فوقها 8 جسور لربط الجزئين المنقسمين ببعضهما وعلى جوانبها سيتم إنشاء وحدات سكنية جديدة، وستبلغ قيمة المشروع حوالي 75 مليار ليرة تركية.
ويكشف خبراء ان المشروع سيغير من وجه النقل البري والبحري في تركيا، ويخفف من الضغط على قناة البوسفور في الشرق، التي تعتبر من أكثر الممرات المائية ازدحاماً وتشهد كثافة ملاحية هي الأعلى عالميا.
حيث يعتبر مضيق البوسفور أخطر ممرّ بحري في العالم، بسبب الأعداد الكبيرة من السفن والناقلات الضخمة التي تعبر من خلاله. حيث يبلغ متوسط عددها سنويا 42 ألف سفينة، بمعدل 115 سفينة يوميا، وهو اضعاف اعداد السفن في قناة السويس وقناة بنما، وهذا ما يسبب ازدحاما كبيرا في مياه المضيق، وتضطر السفن للانتظار عدة ساعات، حتَّى تمر عبر مضيق البوسفور، وانتظار مثل هذه السفن يكلّف الكثير، ويرفع من الأعباء والخسائر الاقتصادية، ممّا سيجعل السفن تفضل العبور من قناة اسطنبول الجديدة لتفادي تكلفة الانتظار الكبيرة.
وهذه ورقة الحكومة التركية الرابحة، والتي تعتمد عليها لجذب السفن والناقلات إلى القناة الجديدة، فهي لا تملك الصلاحية التي تمكّنها من إجبار السفن على العبور من ممرها الجديد، ولكن توفر لهم فرص تفادي تكلفة الانتظار الباهظة، وتدع لهم حرية الاختيار، وهكذا تكون قد خففت من الضغط الكبير على مضيق البوسفور، ومن الازدحام المروري الخانق الّذي أدى في السنوات الثلاث الأخيرة إلى حدوث أكثر من 50 حادث في المضيق.
إن إتمام مشروع القناة يعني نجاح تركيا في إضافة مصدر دخل جديد، يبلغ حوالي ثمانية مليارات دولار سنويا، إلى جانب زيادة أهميتها الاستراتيجية في العالم، بعد أن تتحول المدينة التاريخية إلى مركز عالمي للتجارة الدولية، الأمر الذي يعني تلقائيا زيادة قوتها وقدرتها على تحقيق مكانة متفردة تسمح لها بالخروج من التبعية والاستغناء عن الغرب عموما.
مبدئيا فإن القناة الجديدة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة، استغلالا للعدد الكبير من السفن الذي يستخدم فعليا مضيق البوسفور، فيما تربط قناة السويس بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، أي أن كل قناة منهما تخدم طريقا مغايرا لما تخدمه الأخرى، وبالتالي لا مجال للتنافس بينهما. كما أن تحويل ذلك العدد من السفن الذي يستخدم مضيق البوسفور للقناة الجديدة، لن يؤثر بطبيعة الحال على أعداد السفن المستخدمة لقناة السويس مثلما هو الوضع الحالي.
عدم وجود تنافسية تذكر بين قناة السويس وإسطنبول الجديدة، لا تنفي بطبيعة الحال أن المنافسة الحقيقية هنا ستكون عمليا بين قناة إسطنبول وموانئ الامارات، خصوصا وأن القناة الجديدة تستهدف نقل التجارة بين الصين وأوربا من المحور الجنوبي حيث النفوذ الإماراتي على موانئ عدن وبربرة وعصب في باب المندب، إلى محور الشمال والبحر الأسود حيث تركيا، الأمر الذي سيزيد، من دون شك من قدرة تركيا على المنافسة الاقتصادية والاستقطاب التجاري، خصوصا مع الانتهاء من مشروع طريق الحرير الحديدي، وهو ما يعني فعليا تحويل مدينة إسطنبول إلى مركز عالمي للتجارة الدولية مقابل انتهاء سمعة دبي كمركز مالي وتجاري إقليمي.
سر تخوف امريكا من قناة اسطنبول الجديدة:
تسعى امريكا إلى عرقلة إتمام إنشاء القناة، حتى وصل الأمر ببعض أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى التوقيع على مذكرة طالبوا فيها الإدارة الامريكية بالعمل على منع تزايد حجم التعاون بين الصين وعدد من الدول في مشروع طريق الحرير، كون ذلك المشروع يستهدف إضعاف الهيمنة الامريكية في نهاية الأمر.
واشنطن لديها قلق بالغ بسبب تنامي الارتباط التجاري بين تركيا والصين، خصوصا في ظل طموحات بكين الرامية إلى الاستفادة القصوى من مشاريع البنية التحتية التركية، وما يرتبط بها من جسور وأنفاق وطرق سريعة، لخدمة مشروعها الاستراتيجي المعروف بإحياء طريق الحرير التاريخي، لنقل تجارتها من الشرق إلى الغرب.
كما تتخوف اسرائيل وروسيا والعديد من الدول الاخرى من تصاعد نفوذ وقوة الدولة التركية في العالم، وليس فقط في منطقة الشرق الاوسط.