رغم أن كثيرا من العلماء لا ينصحون بالعمل ليلا بسبب بعض المخاطر الصحية المتوقعة، هناك آخرون يرون أن نوبات العمل الليلية لها فوائد أيضا، كما يقول كيفين مورغان، أستاذ علم النفس ومدير وحدة أبحاث النوم السريرية بجامعة لوبورو البريطانية.
عندما يبدأ كيفن مورغان نوبة عمله الليلية، فإنه يعتمد على استراتيجية جُربت وأختبرت قبل ذلك لتساعده على مواصلة عمله طوال الليل. فغالباً ما يتناول وجبة خفيفة وقت المساء، ثم ينام قرابة ساعة ونصف قبل أن يذهب إلى العمل.
كما أن مكان عمله يحظى دائما بإضاءة قوية. بالإضافة إلى أنه ينبغي أن يتأكد من أن هناك الكثير من القهوة التي يمكن تناولها خلال الليل.
ومع أن خبراء النوم لا يشجعون على العمل خلال الليل، يقول البروفيسور مورغان إن هناك فوائد للعمل ليلا. ويضيف: “لا يوجد هناك كثير من الأشياء التي تشتت انتباهك خلال الليل، وهو ما تستطيع معه أن تسيطر على الأمور من حولك.”
وسواء كان ذلك من الأمور التي يُنصح بها أم لا، فإن نوبات العمل الليلية هي جزء من حياة الكثيرين منا، وذلك بسبب كثرة مهام العمل، أو العمل وفقا لمتطلبات عالمية، مثل تلبية احتياجات العمل في توقيتات دولية محددة، أو ربما بسبب عاداتنا نحن.
أجرى باحثون مسحاً ميدانياً على طلبة جامعة سانت لورانس في نيويورك، واتضح أن 60 في المئة منهم قد ظلوا يقظين طوال الليل مرة واحدة على الأقل منذ دخولهم الجامعة، وذلك حسب دراسة أجريت في عام 2008.
لكن هذا الأمر لا يتعلق فقط بالطلبة أثناء فترة الامتحانات. ففي مسح ميداني آخر أجري لصالح مجلة المعلمين البريطانية (تي إي أس كونكت) عام 2012، تبين أن 70 في المئة من بين 1,600 معلم من معلمي المدارس الابتدائية الذين شملهم المسح قد سهروا طوال الليل لإكمال بعض أعمالهم لمرة واحدة على الأقل خلال الثلاثة أشهر التي سبقت ذلك المسح.
إن توفير الخدمات المتعلقة بالدراسة طوال الليل هي من خصائص العديد من الجامعات في الفترة الحالية، مثل توفير غرف للقراءة في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية، وتوفير قاعات الكومبيوتر التي تعمل 24 ساعة في اليوم بجامعة بريستول البريطانية.
نوم على مائدة العشاء:
بول هاسويل هو أحد الشركاء في مؤسسة بنسينت ميسونز للقانون الدولي، ومقرها هونغ كونغ، وهو ليس من المولعين بالعمل طوال الليل. ومع ذلك، فإنه يرى أن العمل ليلا أمر لا مفر منه في بعض الأحيان.
يقول هاسويل، وهو مستشار في القانون التجاري والتوظيفي أيضا: “لا أعتقد أنني أو فريق عملي سنكون بنفس الكفاءة إذا ما حُرمنا من النوم ليلا. أفضل أن يكون فريق عملي قد أخذ قسطه من الراحة، ويعمل بفعالية وبدون إجهاد، على أن يكون فريقاً ينازع من أجل البقاء يقظاً.”
ويضيف هاسويل إن السهر طوال الليل يمكن أن يسبب أضرارا بالغة للحياة الخاصة للأفراد، ويروي تجربة خاصة به عندما كان محاميا شابا وحصل على موعد من امرأة كانت يتمنى لقاءها.
ويقول: “كنت منهكاً تماماً ولم أجرؤ على إلغاء ذلك الموعد الذي خطّطت له قبل أشهر. وانتهى بي المطاف إلى أن أنام وأنا أتناول العشاء. ثم استيقظت ورأسي على الطاولة والنادل يشرح لي كيف أن المرأة قد تركت المكان وهي غاضبة. ولم أر تلك المرأة مرة أخرى بعد ذلك.”
وفي الدراسة التي أجرتها جامعة سانت لورانس، تشير النتائج إلى أن درجات الطلبة الذين لم يسهروا طوال الليل مطلقا كانت أعلى بنسبة سبعة في المئة مقارنة بدرجات الطلبة الذين سهروا طوال الليل.
وفقا لدراسة أجراها باحثون بجامعة بفالو في نيويورك عام 2009، فإن الأشخاص الذين ينامون أقل من ست ساعات في الليل هم أكثر عرضة للإصابة باختلال ما يعرف بالغلوكوز الصومي، وهي الحالة التي تسبق ظهور أعراض مرض السكري من النوع الثاني، وذلك مقارنة بالأشخاص الذين ينامون لساعات أطول من ذلك خلال الليل.
كما أن انعدام النوم في الليل يؤدي إلى شعور مؤقت بالنشوة إضافة إلى ضعف في قدرات اتخاذ القرار، وذلك بحسب علماء بكلية بيركلي للطب بجامعة كاليفورنيا، وكلية الطب بجامعة هارفارد في دراسة أجريت عام 2011.
وبالرغم من المخاطر المصاحبة للسهر بالليل، فإن الكثيرين منا ليس أمامهم فرصة للاختيار.
فما الذي يمكن أن نفعله لكي نحتفظ بكفاءة الإنتاج خلال الليل، ولكي نتمكن من العمل أيضا بشكل طبيعي في اليوم التالي؟
إليك بعض النصائح في هذا الإطار:
“ادخار” النوم:
ينصح تشارلز زايسلر، الأستاذ في طب النوم في كلية الطب، جامعة هارفارد، بأخذ غفوة خلال النهار إذا أدركت أنك لن تنام تلك الليلة.
ويضيف: “إذا ما أخذنا قيلولة بعد الظهيرة، فإن ضعف الأداء الذي عادة ما يرافق العمل المتواصل سيكون أقل.”
كما أن الحفاظ على عادة النوم المنتظم في أغلب الأيام الأخرى سوف يساعدنا في التغلب على سهر ليلة ما، بحسب مورغان.
ويضيف مورغان: “عليك أن تقوم بادخار النوم بأن تحصل على نومٍ كافٍ في معظم الليالي. لا تدع مجالاً لتراكم حاجتك إلى النوم في حياتك، فذلك سيساعدك على تجاوز نوبة عمل ليلية.”
انتبه لغذائك:
تنصحنا بولا مي، المتخصصة في التغذية ونظم الحمية في دبلن قائلة: “البروتينات تساعدنا في البقاء يقظين. لذا، في مساء تلك الليلة التي تنوي فيها أن تبقى يقظاً عليك بتناول وجبة غنية بالبروتينات، مثل لحم صدور الدجاج، أو تناول شريحة من لحم سمك السلمون. لكن الإكثار من النشويات يمكنه أن يسبب لك النعاس والنوم.”
وتضيف مي: “لا تحتاج إلى تناول وجبة أخرى كاملة خلال الليل، فأجسامنا تحتفظ باحتياطي لمثل ذلك الوقت، ومع ذلك، يمكنك تناول وجبة خفيفة من البروتين خلال الليل، وربما تناول بعض المكسرات سيساعد على إبقائك يقظاً.”
اعمل في غرفة مضيئة جداً:
تقول جويل أدرين، المتخصصة في الأمراض العصبية ومديرة البحوث في المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية في باريس: “الضوء هو إشارة اليقظة بالنسبة لساعاتنا البيولوجية، ويحفزنا على أن نظل يقظين ونشطين.”
لكن عليك التأكد من اختيار لون الضوء المناسب. وتضيف أدرين: “تبين الأبحاث أن الضوء الأزرق سيبقيك يقظاً أكثر من غيره من الأضواء. فالضوء الأصفر مثلا ليس مناسباً ليبقيك يقظاً، فهو يبعث على الارتخاء، لذا عليك تجنبه.”
قسم مهام عملك:
إن قدراتنا المعرفية تقل كلما عملنا خلال الليل، مما يُبقي لدينا قدرات أقل لإنجاز المهام التي تتطلب منا عمليات حسابية مثلا، بحسب مورغان.
ويضيف مورغان: “رتب مهامك في العمل إلى قسمين: مهام معرفية، وهي التي تحتاج إلى التفكير والعمليات الحسابية، ومهام أخرى روتينية مثل تنسيق بعض الأعمال الأخرى. ابدأ بالأعمال المعرفية أولاً، فكلنا يريد أن تكون نتائجه صحيحة.”
ويضيف مورغان: “ينبغي إنجاز الأعمال الروتينية والمهام الارتجالية في وقت لاحق، مثل تنسيق الوثائق على سبيل المثال.”
تناول القهوة:
تقلل مادة الكافيين من تأثيرات مادة الأدينوسين، وهي مادة كيميائية يفرزها الجسم وتجعلنا نشعر بالتعب.
يقول زايسلر: “استعمل الكافيين بشكل استراتيجي”. فهو ينصح بشرب قدح من القهوة في كل ساعة من ساعات الليل.
حافظ على الدفء:
تنخفض درجة حرارة أجسامنا إلى أدنى مستوياتها ما بين الساعة الثالثة والرابعة صباحاً. ويقول مورغان: “لا أحد يرغب بأن يتشتت تركيزه في العمل بسبب الشعور بالبرد. لذا، تأكد بأن غرفتك دافئة بشكل جيد. إني أجعل دوماً غطاء من الصوف في متناول يدي.”
غفوة الصباح التالي:
ويضيف مورغان: “بعدما تُنهي مهمتك، لنفترض أن ذلك في الثامنة صباحاً تقريبا… اذهب إلى الفراش للنوم لمدة تتراوح ما بين 90-100 دقيقة، فهذا الوقت كافٍ لتنال قسطا من دورة نوم كاملة. إن ذلك الوقت يكفي ليبقيك نشيطاً طوال النهار، لكن ليس عليك قيادة أي سيارة في ذلك اليوم.”
ويضيف مورغان: “في مساء اليوم التالي، اذهب للنوم مبكراً. ومن المفترض أن تعود إلى مزاولة أنشطتك اليومية الاعتيادية بسهولة إلى حد ما.”
عليك أن ترفض:
وتنصح أدرين قائلة: أبلغ رئيسك في العمل بأنه ليس من المعقول أن تعمل خلال الليل، عندما تكلف بالعمل في نوبة ليلية بشكل مفاجئ.
وتوضح: “الحرمان من النوم له تأثير قوي على صحتك. عليك أن تكون دبلوماسياً بالطبع، كأن تقول حسناً، هذه المرة فقط ولن تكون هناك مرة أخرى”.