ليلة النصف من شعبان من الليالي المباركة التي ينتظرها المسلمون في شهر شعبان من كل عام، وتأتي هذا العام في ظروف غير عادية من حرب ابادة يتعرض لها اهل غزة، من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
لم يصح في فضل ليلة النصف من شعبان سوى حديث رواه ابن حبان عن معاذ بم جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ)، وإنما ذكر المشرك في الحديث لبيان قبح وخطر التشاحن، فالمشرك قطع الصلة بربه والمشاحن قطع الصلة بإخوانه، والواجب الأكبر في تلك الليلة سلامة الصدور من الحقد والغل تجاه الخلق، ليبقى المجتمع متراحما متوادا موصولا ببعضه ومتصلا بربه، ويظهر لي والله أعلم أن العلاقة بين سلامة الصدر في النصف من شعبان وبين الطاعات التي سنجتهد في تحصيلها في رمضان هي أن رفعها وقبولها عند الله مرهون بنبذ التشاحن والعداوة للناس، وقد صح في الحديث بسند حسن عند ابن ماجة وغيره “ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا وعد منهم: وأخوان متصارمان”.
إن الأهم من صيام نهار ليلة النصف من شعبان وقيام ليلها هو سلامة الصدور من الأحقاد، وعودة الأمة إلى وحدتها وترابطها وتماسكها بعد أن تعددت عليها أسباب الافتراق والتنازع وهو ما يهددها بذهاب الريح واستمرار الغثائية، فهل تسلم صدور وقلوب أهل غزة في ليلة النصف من شعبان تجاه إخوانهم وأمتهم بعد أن خذلوهم وأسلموهم لعدوهم وعجزوا رغم كثرتهم عن مجرد إيصال الغذاء والدواء لهم؟
أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان استعدادا لشهر رمضان، وقد فهم السلف المغزى من صيامه صلى الله عليه وسلم فأكثروا من قراءة القرآن في شعبان وكانوا يسمونه شهر القراء، وكانوا يتخففون من الأعمال في شعبان استعدادا لرمضان، كما أثر عن بعضهم أن كانوا يعجلون بإخراج زكاتهم في شعبان لئلا ينشغلوا بها عن العبادة في رمضان، والمتأمل في سائر العبادات يلحظ أنها تسبق بتمهيد لها من جنسها؛ كالسنن القبلية للصلوات، وكالصيام قبل رمضان، لأن هذه النوافل تهدف إلى تحقيق مقاصد الفريضة وحضور القلب فيها، فمن أراد التحقق بالتقوى وحضور القلب في رمضان فالطريق هو استثمار ما تبقى من شعبان.
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وفرج كرب أهلنا وإخواننا في غزة وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف يا أرحم الراحمين، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا، واشف صدور قوم مؤمنين.
دعاء ليلة النصف من شعبان
احذر من الغفلة في شهر شعبان
وصف النبي صلى الله عليه وسلم شهر شعبان بأنه شهر يغفل الناس عنه في حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟! قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)؛ مسند أحمد وسنن النسائي، وحسنه الألباني.
أنه وسط، بين شهرين عظيمين فضلهما كبير، رجب وهو من الأشهر الحرم، ورمضان وفضائله كثيرة لا تخفى، والوسط بين قوتين محل الغفلة، كالصلاة الوسطى، لهذا وجه القرآن إليها بقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} [البقرة: 238]، ويغفل الناس عن جوف الليل لأنه وسط، بين أوله وآخره، قال صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن)، وتلك رسالة مهمة لتحري الوسطية وعدم الغفلة عنها بالإفراط أو التفريط، أو التسيب أو التشدد.
لأن الناس يشعرون أن شهر رمضان بفضائله ومضاعفة الأجر فيه يغني عن الاجتهاد في غيره، وما علموا أن التوفيق للعبادة في رمضان مرهون بالاستعداد لها في شعبان.
الاغترار بطول الأمل وعدم تخيل وقوع الموت قبل بلوغ رمضان، وعدم الغفلة في شعبان تثبت أجر المسلم على عبادات رمضان حتى وإن مات قبل أن يدركه، والعبادة في وقت الغفلة ثوابها عظيم لقوله صلى الله عليه وسلم: العبادة في الهرج كهجرة إلي. والهرج: الغفلة والفتن وكثرة القتل ظلما.
لماذا كانت العبادة في وقت الغفلة لها أجر كبير عند الله؟
أنها تكون أخفى، وأبعد عن الرياء وأعظم للأجر، قال عليه الصلاة والسلام في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” متفق عليه، وقد كان السلف يحبون إخفاء العمل: حتى قال بعضهم: “لا أعد ما ظهر من عملي شيئا”. وذكر ابن الجوزي “أن بعضهم صام أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يعمل في السوق فإذا خرج من بيته أخذ رغيفين فتصدق بهما في طريقه، ثم يطوي اليوم حتى يعود في المساء.. فيظن أهله أنه أكل في السوق، ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته”.
أنها أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس؛ لأن الطاعة تسهل بكثرة الطائعين وتصعب بكثرة الغافلين، لهذا مجاهدة النفس بالاستقامة مع قلة التدين وكثرة الغافلين ثوابها أعظم.
أن المنفرد بالطاعة بين أهل المعاصي والغفلة قد يدفع به البلاء عن الناس كلهم، قال بعض السلف: لولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس.
أنها أعظم أجرا كحديث دعاء دخول السوق؛ لأن أغلب الناس يغفلون عنه وينشغلون بأمر التسوق، روى الحاكم في المستدرك عن عمر بن الخطاب: “من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير – كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة). رواه الترمذي وحسنه الألباني
إن الرسالة العظيمة من شهر شعبان هي الحذر من الغفلة وأن يكون المسلم يقظا واعيا ليس في شأن العبادة فحسب وإنما في كل شؤون حياته، فكما هناك الغفلة العبادية هناك الغفلة السياسية، والغفلة الواقعية، والاجتماعية، والتربوية، وأقبح ألوان الغفلة، الغفلة عن متابعة شؤون وأحوال إخواننا في غزة مع طول أمد الحرب وتكرار مشاهد القتل، وتعدد المجازر والمذابح.
شهر شعبان وتحويل القبلة
يرتبط تحويل القبلة بشهر شعبان وإن لم يكن هناك قطع بوقوع الحدث فيه، وتحويل القبلة من المسجد الأقصى بفلسطين إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة يحمل العديد من الرسائل منها: مكانة المسجد الأقصى في قلوب المسلمين والربط بينه وبين المسجد الحرام وإثبات ما يثبت له من الأحكام كالمسؤولية عن حمايته وحراسته وصد العدوان عنه، وأن أهل غزة يقومون بواجب حماية الأقصى عن المسلمين جميعاً، فمؤازرة أهل غزة واجبة على كل مسلم، ومنها: سرعة الانقياد والتحول لأمر الله كما تحول الصحابة وانقادوا لأمر الله عندما بلغهم أن القبلة قد حولت لم ينتظروا حتى يفرغوا من الصلاة، ومنها: وحدة الأمة وترابطها وتماسكها؛ إذ يتوحدون ويتجهون في صلاتهم لقبلة واحدة.
دعاء ليلة النصف من شعبان مكتوب
مجموعة ادعية جميلة، في ليلة النصف من شعبان، علما انه لا يوجد دعاء مخصوص بعينه يقال في هذه الليلة المباركة.
اللهم في هذه الليلة المباركة، ليلة النصف من شعبان، التي تغفر فيها لجميع خلقك، إلا لمشرك أو مشاحن، فاللهم اغفر لي ولابي وامي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
(ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
اللهم نتوسل إليك باسمك الواحد الأحد، الفرد الصمد، وباسمك الأعظم فرّج عنا ما نحن فيه وعافنا واعف عنا، يا كاشف الهم، ومفرج الكرب العظيم، ويا من إذا أراد شيئًا أن يقول له: كُن فيكون، اللهم بدل سيئاتنا لحسنات واغفر لنا الذلات وارزقنا بالخيرات.
اللهم لا تشمت اعدائي بدائي، واجعل القرآن العظيم دوائي وشفائي، انت ثقتي ورجائي واجعل حسن ظني بك شفائي، اللهم ثبت علي عقلي وديني، وارزقني رزقا حلالا يكفيني وابعد عني شر من يؤذيني، ولا تحوجني لطبيب يداويني، اللهم استرني على وجه الارض، اللهم ارحمني في بطن الارض، اللهم اغفرلي يوم العرض عليك.
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم.
اللهم اشف صدور قوم مؤمنين، واسعدنا بهلاك الظالمين والفاسدين واذنابهم.
اللهم انصر اهلنا في فلسطين وفي غزة، اللهم كن لهم مؤيدًا ونصيرًا ومعينًا وظهيرًا، اللهم اجعل لهم من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ومن كل بلاء عافية، ومن كل عسر يسرا.
يا ربّ إنّ الظالم جمع كل قوّته وطغيانه، ونحن عبادك جمعنا له ما استطعنا من الدّعاء والعتاد، يا ربّ فاستجب لدعوة عبادك المظلومين وانصرنا فإنّك يا كريم قلت لدعوة المظلوم وَعِزَّتِي وجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
اللهم اربط على قلوبهم، اللهم اشف مرضاهم ومصابهم، وارحم شهدائنا وموتانا جميعا.
اللهم ثبت خطاهم وسدد رميهم، وافرغ عليهم صبرا من عندك.
يارب أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ، اللهم اننا مَغْلُوبون فَانتَصِرْ.
اللهمَّ مالكَ الملكِ تُؤتي الملكَ مَن تشاءُ، وتنزعُ الملكَ ممن تشاءُ، وتُعِزُّ مَن تشاءُ، وتذِلُّ مَن تشاءُ، بيدِك الخيرُ إنك على كلِّ شيءٍ قديرٌ، رحمنُ الدنيا والآخرةِ ورحيمُهما، تعطيهما من تشاءُ، وتمنعُ منهما من تشاءُ، ارحمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ مَن سواك.
(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.