اخبار ليل ونهار. رسميا احالة ترامب الى المحاكمة. في قرار تاريخي، أقر مجلس النواب الأميركي إحالة الرئيس دونالد ترامب لمحاكمة برلمانية في مجلس الشيوخ بغرض عزله بتهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونجرس، وفي حين عبر ترامب عن سخطه من القرار، وصف الديمقراطيون الإجراءات ضده بأنها عادلة وتشكل انتصارا للدستور.
وبعد جلسة استغرقت نحو ست ساعات، صوت مجلس النواب لصالح محاكمة ترامب، وبعد التصويت في مجلس النواب ستحال المحاكمة الى مجلس الشيوخ، حيث إن عزل الرئيس الجمهوري ترامب يتطلب تأييد ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
ومن المرجح أن تزيد هذه الخطوة من الانقسام السياسي في امريكا بين مجلس النواب الذي يقوده الديمقراطيون ومجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون.
وكان ترامب قد وصف عملية اجراءات عزله بأنها “محاولة انقلاب، وعملية احتيال”.وأكد على استعداده خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة من أجل إعادة انتخابه لولاية ثانية.
ماهي الخطوة المقبلة في اجراءات عزل ترامب؟
وفقًا للدستور الأمريكي فإن عزل الرئيس يتم عبر عدة مراحل، ففي البداية يجب أن يقدم أحد النواب في الكونغرس عريضة لاتهام الرئيس وسحب الثقة منه، ويتطلب تفعيل الإجراءات تمرير العريضة إلى اللجنة القضائية في مجلس النواب وفي حال وافق مجلس النواب على أحد البنود أو بعضها يتم الانتقال إلى المرحلة التالية من الإجراءات.
تدور المرحلة التالية من الإجراءات في مجلس الشيوخ، وغالبًا ما تكون أِشبه بمحاكمة حقيقية ولكنها ذات طابع سياسي. في هذه المحاكمة، يلعب مجلس النواب دور المدعي العام، حيث يُعين بعض نوابه كمدعين للدفاع عن سحب الثقة أمام مجلس الشيوخ في حين يتولى محامو الرئيس مهمة الدفاع عنه في جلسة يترأسها ويديرها رئيس المحكمة العليا ويتحول أعضاء مجلس الشيوخ أنفسهم إلى هيئة محلفين مخولة باتخاذ قرار التبرئة أو الإدانة، ومن أجل إضفاء المزيد من الحسم، يتطلب الأمر تصويت ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ لتوجيه الاتهام إلى الرئيس بشكل فعلي، وفي هذه الحالة يعتبر الرئيس مقالًا من منصبه على أن يتولى نائبه المسؤولية حتى إجراء الانتخابات التالية.
ومن أجل تعقيد الأمر أكثر وأكثر لحماية المنصب من أهواء وهجمات السياسيين غير البريئة فإن الدستور الأمريكي حدد نوعين فقط من الجرائم المعروفة بوضوح التي تستدعي عزل الرئيس وهما الخيانة والرشوة، ولكنه أضاف فئة ثالثة تحت اسم “الجرائم ذات الأثر البالغ”، وهذه الفئة الأخيرة كانت موضوعًا لنقاش كبير عبر تاريخ الولايات المتحدة وفتحت الباب لتسييس دعوات إقالة الرؤساء في ظل المنافسات الحزبية المحتدمة على مدار التاريخ الأمريكي.
ما هي التهم التي قد يحاكم بسببها ترامب؟
بعد ساعات من النقاش، وجَّهت اللجنة القضائية بمجلس النواب، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، تهمتين للرئيس ترامب.
التهمة الأولى هي إساءة استخدام سلطاته؛ إذ يُتهم ترامب بمحاولة الضغط على أوكرانيا لتشويه سمعة نائب الرئيس السابق باراك أوباما والمنافس الديمقراطي المحتمل لترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، جو بايدن.
وزعم ترامب وأنصاره أن جو بايدن شجع أوكرانيا على فصل المدَّعي العام، أثناء عمله نائباً للرئيس السابق أوباما، للحيلولة دون إجرائه تحقيقاً في فساد شركة غاز أوكرانية يعمل نجله، هانتر بايدن، كعضو في مجلس إدارتها. ولكنهم لم يقدموا أي أدلة على هذه المزاعم.
ويقول الديمقراطيون إن ترامب علَّق تقديم مساعدات عسكرية أمريكية، بقيمة 400 مليون دولار، لأوكرانيا. وعرض على الرئيس الأوكراني، الإفراج عن المساعدات واستقباله في البيت الأبيض، مقابل فتح تحقيقات في فساد بايدن قد تساعده في مسيرته السياسية.
ونفى الرئيس ترامب تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا لخدمة مصالحه السياسية، مؤكداً أنه كان من المناسب مطالبة أوكرانيا بالنظر في مزاعم الفساد.
وتتمثل التهمة الثانية في عرقلة عمل الكونغرس، عبر منع مساعديه من الإدلاء بشهاداتهم أمام اللجنة القضائية بمجلس النواب، في إطار إجراءات مساءلة الرئيس.
ماذا لو فاز ترامب بفترة رئاسية ثانية ؟
بافتراض عدم عزل الرئيس ترامب، وهو الاحتمال الاكبر نظرا لان مجلس الشيوخ يسيطر عليه الحزب الجمهوري الحاكم، الا ان اجراءات العزل وتوجيه الاتهامات لترامب، ستضعف من امكانية اعادة انتخابه مرة اخرى في الانتخابات الرئاسية، التي ستتم خلال اقل من عام.
وبالنسبة لكثير من الناس، تبدو إعادة انتخاب ترامب غير واردة، بقدر ما بدا لهم فوزه غير ممكن في انتخابات نوفمبر عام 2016.، ولكن على الرغم من الفضائح والاتهامات والفوضى التي اجتاحت فترة رئاسته الأولى، وعلى الرغم من الهزيمة التي لحقت بحزبه في الانتخابات النصفية، فإنه يقترب من انتخابات 2020 وفي جَعْبته سبب واحد يقوي موقفه، وهو الاقتصاد القوي نسبيا (على الأقل حتى الآن). استنادا إلى الزيادة المتوقعة بنسبة 2% في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من عام 2020.
وفي حالة فوز ترامب بفترة رئاسية جديدة، لن يكون هذا الامر في صالح بن سلمان وبن زايد والسيسي بشكل مطلق، حيث ان شخصية ترامب مختلفة عن اغلب حكام امريكا السابقين، فترامب ذو شخصية شديدة التقلب والمزاجية والانفلات بل والتهور، لذلك فاصدقاء اليوم قد يكونو اعداء الغد والعكس صحيح.
وإذا ما تمكن ترامب من الفوز بفترة ولاية ثانية، فستتحول رئاسته من مجرد حالة استثنائية إلى نقطة تحول في التاريخ الأميركي، ولكنها لا تُبشر بعهد جديد يتسم بالاستقرار. من المحتمل أن تشكل الآثار الناجمة عن تغير المناخ والمخاطر المرتبطة بسباق التسلح النووي مرحلة عصيبة في تاريخ البلاد. ومن شأن إعادة انتخاب ترامب أن تصبح امريكا بمنأى عن الدول الصديقة والحليفة في الخارج، مع وجود انقسام عميق في الداخل. وعلاوة على ذلك، ستصبح المحكمة العليا غير منسجمة مع الرأي العام، وفي بؤرة الصراع السياسي، تماما كما كانت عليه المحكمة في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وتمر السياسة الأميركية اليوم بواحدة من اللحظات الفارقة. حيث تمكن ترامب من تعيين اثنين على الأقل من قضاة المحكمة العليا، ووقع على قانون خفض الضرائب الذي أصبح ساريا بالفعل، وتراجع عن القانون الفيدرالي للوائح التنظيمية الخاصة بالبيئة والاقتصاد. أيًّا كان رأيك في هذه الإجراءات، فإنها لا تزال قابلة للتعديل والإلغاء تماما في المستقبل. إلا أن التأثيرات التي ستخلّفها رئاسة ترامب لمدة ثماني سنوات سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التراجع عنها.