الذاكرة هي إحدى قدرات الدماغ، وهي القدرة على تخزين المعلومات واسترجاعها. وتدرس الذاكرة في حقول علم النفس الإدراكي وعلم الأعصاب. وهناك عدة تصنيفات للذاكرة بناء على مدتها، طبيعتها واسترجاعها للحالات الشعورية.
الذاكرة_القصيرة_جدا
تعمل الإشارات الحسية الأتية من أحد الحواس على إثارة مواقع حسية محددة في الدماغ. ففي حالة الرؤية مثلا تثير الإشارات الأتية من العين مواقعا محددة في جزئي الدماغ الخلفية.
فإذا كانت الذاكرة متعلقة بأحد حفلات الزواج، يكون محتوي الذاكرة القصيرة جدا ممثلا بنفس الشدة. أي يمكن أن نتذكر العروسين وأباء العروسين والضيوف وأين يجلسون بالتفصيل.
الذاكرة_القصيرة
بعد مرور أجزاء من الثانية تختفي معظم المعلومات من الدماغ، في الوقت الذي تخزن تلك المعلومات المرتبطة بالحدث “اليوم يوم زفاف” في جزء الدماغ الأمامي، خلف الجبهة مباشرة. كما ينقل الحصين (الهيبوكامبوس) بعض تلك المعلومات للتخزين في مركز الانفعال في الدماغ لمدة طويلة. تقتصر الذاكرة القصيرة في هذه الحالة على العروسين والأبوين وقلة من الحاضرين.
الذاكرة_الطويلة
توجد انطباعات إشارات الرؤية مخزونة في عدة روابط عصبية، تلك الانطباعات هي ذات الأهمية والتي قاومت الضياع : صورة العروس ووجه الأب، كما نتذكر بعض زوار الحفل، دون أن نتذكر أين كانوا جالسين.
تثبيت_الذاكرة
هناك مراكز مختلفة للذاكرة في الدماغ.
بالتكرار والتدريب rehearsal تكون الطريقة الوحيدة التي نتتقل بواسطتها المعلومات إلى الذاكرة الطويلة. إلا أنه توجد أيضا حالات نتذكرها من دون التدريب والتكرار.
ويبين البحث أن الذاكرة القصيرة قابلة للتقسيم بين معلومات مرئية ومعلومات سمعية وغيرها. (ويوجد فعلا بين المصابين بفقد الذاكرة القصيرة، فبعضهم يتذكر الصور، في نفس الوقت لا يتذكر الكلمات أو الأعداد التي سمعها).
كما يوجد بعض التحفظات على نموذج أتكينسون وشيفرين حيث اقترحا وجود مركز واحد لمختلف أنواع المؤثرات الحسية، فقد ثبت بالبحث العلمي بوجود مراكز متعددة في الدماغ لتخزين إشارات السمع والبصر والحواس الأخرى مثل حاسة التذوق.
النوم_والذاكرة
اتضح أن المخ يعمل أثناء النوم بنشاط.
وكما يقول الدكتور يان بورن من جامعة لوبيك بألمانيا:” خلال النهار يقوم المخ بحفظ المعلومات في مخزن مؤقت، ثم يبدأ في تفصيلها وتجهيزها أثناء النوم لإيداعها في الذاكرة الطويلة.
وفي الذاكرة الطويلة تنسّق المعلومات وتُربط مع معلومات أخرى سابقة.
ويفرغ المخزن المؤقت معلوماته ويستطيع بذلك تخزين معلومات جديدة أثناء الصحيان عبارة عن معلومات وتأثيرات تتوالى عليه بسرعة كبيرة.
ثم تأتي عملية تنسيق المعلومات والانطباعات في الذاكرة الطويلة التي يقوم بها المخ أثناء النوم تكون أحسن ما يمكن أثناء النوم العميق.
كما يستطيع المخ إظهار حلا لمشكلة أثناء النوم أو حتى حلا لمسألة رياضية لم تخطر على بال صاحبها وهو متيقظ. ولكن يكون الحل مبنيا هو الآخر على ما سبق وأن تعلمه الشخص أثناء اليقظة. أي أن لا شيء يُنتج من لا شيء.
النسيان
يفرق المختصون بين نوعين من النسيان : نوع تختفي معه المعلومات.
وفي النوع الثاني لا تكون المعلومات قد اختفت كلية وإنما يصعب التوصل إليها بسبب تراكم معلومات جديدة عليها.
والمهم في ذلك أن تكون المعلومات فد انتقلت من الذاكرة المؤقتة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة، إذ أن كل الانطباعات والمعلومات تخزن أولا في الذاكرة القصيرة المؤقتة حيث ينشط تبادل إشارات كهربية بين نحو 100 مليار من الخلايا العصبية.
وينشط كل انطباع مجموعة معينة من النيرونات.
إلا أن الذاكرة القصيرة لها سعة محدودة على الاحتفاظ بالمعلومات بحيث تأخذ معلومات جديدة مكان معلومات قبلها مثل السبورة التي تكتب وتمسح ثم تُكتب من جديد.
ويصل جزء قليل من تلك المعلومات والانطباعات إلى الذاكرة الطويلة، بينما يضيع الجزء الآخر ويُنسى.
تخزن المعلومات والانطباعات فعلا في الذاكرة الطويلة وتترك أثرا ماديا في خلايا الدماغ.
تنشأ ارتباطات جديدة بين الخلايا العصبية، وتزداد عدد الارتباطات في شبكة النويرونات.
الذاكرة_بناء
يعتبر التعلم عملية بناء تتم في الدماغ، ولهذا نجد التكرار يساعد على النجاح.
يعمل تكرار المعلومات على توسيع مسارات التواصل بين العصبونات فتصبح طرقا سريعة عريضة.
ويحتاج الدماغ نحو 48 ساعة لتخزين معلومات في الذاكرة الطويلة، ويتم جزءا كبيرا من ذلك النشاط أثناء النوم.
أي أن النوم يقوي الذاكرة الطويلة، بينما لا يساعد تكاثر الانطباعات والمعلومات على التخزين.
تزايد الانطباعات والمعلومات في فترة وجيزة يصعّب عملية التخزين، ويصعّب عملية تحول المعلومات إلى مادة في شبكة العصبونات في الدماغ.
مثال على ذلك مثال الطفل الذي تحكي أمه له قصتين الواحدة تلو الأخرى.
يتذكر الطفل القصة الثانية أحسن من القصة الأولى وذلك بسبب تراكم معلومات القصة الثانية على معلومات القصة الأولى.
ويسمي الاخصائيون ذلك “بالتداخل” بين المعلومات حيث تخزن المعلومات الجديدة فوق معلومات قبلها. وكلما زاد معدل انصباب المعلومات كلما قلت إمكانية الدماغ في معاملتها ويقل بذلك تذكرها فيما بعد.
فمثلا يحل رقم الهاتف الجديد مكان الرقم القديم الذي يصعب تذكره.
ولكن تلك المعلومات لا تضيع، وإنما خزنت معلومات فوقها وأصبح الوصول إليها صعبا. كذلك المعلومات التي لا نستخدمها، تضعف سجلاتها وتُنسى، ولكنها لا تختفي تماما، حيث يسهل تعلم واسترجاع ما نسيناه عن تعلم شيء جديد.
وكثير منا يعرف توازن قيادة الدراجة أو الجري بقبقاب العجل حيث يستعيد المرء تلك القدرات بسهولة بعد فترة غياب عن ممارستها طويلة. فنقاط التشابك بين الخلايا العصبية التي تنشأ أثناء التعلم تصبح غير نشطة بعدم المزاولة، لكنها لا تتلاشى تماما.
قوانين_الذاكرة :
ولكن ما الذي يفصل في مسألة تخزين معلومات في الذاكرة الطويلة ؟
وكيف نستطيع التأثير على تلك العملية ؟ نجد أن المعلومات والانطباعات التي تنتقل من الذاكرة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة يختلف من شخص إلى شخص، وهي تتعلق بعدة مسائل :
التقدير الشخصي والأهمية الانفعالية وتلك تختلف من شخص إلى شخص، كذلك إذا كانت هناك أيضا معرفة ومعلومات سابقة متعلقة بنفس الموضوع، فيقول الشخص “صحيح، أنا أعرف هذا”، ويحدث الفصل خلال جزء من الثانية ولا يمكن التحكم فيه وتخزن المعلومات تخزينا جيدا ويسهل تذكرها إذا كانت مقترنة بتشغيل عدة حواس أو مقترنة بانفعال قوي. ويقوم هرمون معين يسمى “دوبامين” بدور رئيسي في عملية التخزين.
وهو مادة ناقلة في الدماغ ويسمى أحيانا “هرمون السعادة” يفرز بغزارة لتشجيعنا على حل المسائل والمداومة على تعلم الجديد.
ويعطينا شعورا بالرضاء عند تغلبنا على مسألة عويصة.ويقوم الدوبامين بنقل المعلومات بين الخلايا العصبية ويحفز النشاط العقلي. والمعلومات التي تصل الذاكرة القصيرة تحت تأثير هرمون الدوبامين تصل وتخزن في الذاكرة الطويلة بسهولة. ذلك يفسر أن بعض الأشياء التي نفعلها لأول مرة تخزّن في الذكرة الطويلة ولا ننساها. من تلك الأشياء التي لا تُنسى : أول قيادة للدراجة، وأول تصييف على ساحل البحر والقبلة الأولى، كلها أشياء يتذكرها الإنسان أيضا في شيخوخته. ويتعلق إفراز هرمون السعادة، الدوبامين، بانشغالنا بمسألة جديدة.
فإذا قل النشاط على تعلم الجديد، تتخاذل الروابط بين الخلايا_العصبية بنفس سرعة نشأتها، وتنسى المعلومات.
كما أن مزاولة حركة سهلة أثناء التعلم يساعد على التذكر : مثل وضع خطوط تحت الكلمات المهمة أو تعليم بعض الكلمات أو الأرقام بدوائر أثناء القراءة. فإن تلك الحركات البسيطة ترفع مستوى الدوبامين وينشط الدماغ ويحث على الاستمرار في مزاولة النشاط العقلي. ويحبذ أن يبدأ المرء بحل مسألة سهلة، ثم الأصعب، فالأصعب. فيشعر المرء بالسعادة ولذلك يسمى الدوبامين ” هرمون السعادة”.