ثواب الجلوس في البيت في وقت البلاء.. فوائد كورونا

اخبار ليل ونهار. ثواب الجلوس في البيت في وقت البلاء.. فوائد كورونا. عن عائشة أم المؤمنين قالت: سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الطاعونِ، فأخبَرَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (أنَّه كان عَذابًا يَبعَثُه اللهُ على مَن يَشاءُ، فجعَلَه رَحمةً للمُؤمِنينَ، فليس مِن رَجُلٍ يَقَعَ الطاعونُ فيَمكُثُ في بَيتِه صابِرًا مُحتَسِبًا يَعلَمُ أنَّه لا يُصيبُه إلَّا ما كَتَبَ اللهُ له إلَّا كان له مِثلُ أجْرِ الشَّهيدِ). حديث صحيح.

ربما تحتوي الصورة على: ‏نص مفاده '‏الآن منظمة الصحة العالمية توصى بالجلوس في البيت! لكن قبل اكثر من 1400 عاما اوصى الحبيب صلى الله عليه وسلم بالمكوث في البيت وقت الوباء: عائشة رضي الله عنها، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني انه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله رحمة فليس من رجل يقع الطاعون في بيته صابرا محتسبا يعلم انه لا يصيبه الا ما كتب الله له الا كان مثل اجر حديث صحيح‏'‏

هذا الحديث يشمل كل من صبر وصابر وتصبّر في احتمال أذى الوباء والطاعون وعدوى الكورونا وعامة الجوائح والأوبئة الفتاكة التي تحصد الأرواح من غير حصر أو حساب، ثم احتسب أجره على الله، وتوكل على الحي الذي لا يموت، وأخذ بالأسباب والتدابير الوقائية، سواء مات بالوباء أم لم يمت؛ فهو شهيد إن شاء الله مشمول بأجره وثوابه؛ لذلك قرر الحافظ ابن حجر قوله: “اقتضى منطوقه أن من اتصف بالصفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد وإن لم يمت”.

– إن الحديث في طرفه: “فيَمكُثُ في بَيتِه صابِرًا مُحتَسِبًا” وهو من جوانب الرحمة؛ لأنه قرر البقاء في البيت وليس الخروج منه، ثم البقاء في البيت آمنا في سربه مستقرا قائما بما عليه مرتلًا كتاب ربه، مرددا أوراده، وليس فزعًا يُقصف بالصواريخ والدبابات قلقًا غير آمن في سربه، إنه حديث رائع يقرر الحجر الصحي العام، والحجر المنزلي بامتياز، وبلا نزاع؛ وله نظائره التي تشهد له من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عند الشدة والخوف: “ألا صلوا في رحالكم”.

وفي رواية: “في بيوتكم”. أي لا مجال للخروج، والتسيب بغير حاجة في الطرقات والممرات والشوارع والفضاء بغير مسؤولية، لأن فيه فسح المجال لانتشار الفيروس. لذلك أقول: إن من يخرج من بيته متهورًا أو لغير حاجة أو ضرورة؛ فهو آثم في تحمل وزر موتها انتحارا، أو الجناية على نقل العدوى لغيره إن أصيب بها يستحق عقوبة القصاص، وإن نقلها إلى ذويه وأقاربه ووالديه فهو من العقوق البشع فضلا عن الجريمة النكراء التي لا يعذر فيها أحد مهما كان!

الحديث ظاهره قاصر على وباء الطاعون؛ لأنه يتجلى في الأورام والبثور بالجسم عامة وتحت الآباط خاصة، مع الزيادة في خفقان القلب وارتفاع درجة الحرارة؛ والحق –في مقصده وعلّته- كونه داء عضالا وسُمًّا زعافا، ووباء معديا، على غرار الكوليرا والجذام والملاريا.. إن الطاعون المذكور يحصد الأرواح بالجملة عن بكرة أبيهم؛ وهذا علته متعدية ينطلي على جائحة الكورونا وعَدْواه الخبيثة التي تفتك إن علقت بالإنسان وخصوصا بجهازه التنفسي فتخرب رئتيه وترديه قتيلا!

وقد كانت طريقة القائد عمرو بن العاص في محاصرة طاعون عمواس متميزة للغاية؛ بحيث تأمل رضي الله عنه في طبيعة الطاعون؛ فألفاه ينتشر عندما يجتمع الناس، وأمرهم فورًا أن يتفرقوا في الأرياف وفي الجبال؛ فانتهى الطاعون في ثلاثة أيام.

هل الطاعون عذاب وعقوبة؟ نص الحديث يجيب بشقين أحدهما كونه عذابا وعقوبة للكافرين؛ وتوجيهه عندي أن هؤلاء الكافرين لا يصدرون عن عقيدة صحيحة ومتينة، فالهلع يسري فيهم، وإذا فتك بهم انتقلوا بكفرهم إلى عذاب أشد! ولا يبعد أن تكون آية للبشرية جمعاء للمسلمين نصيب منها؛ لأن سنن الله لا تحابي أحدًا؛ قال سبحانه: (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) [الشعراء: 4]. وباتت مشاهد العالم في القرية الكونية بادية للعيان وما مدى خنوع الجميع أمام فيروس فتّاك لا يرحم، وباتوا خاضعين مذللين في البحث عن لقاح، ربما يشترونه بكل ما يملكون! وقد جاءت أحاديث كثيرة تصب في نفس العلة؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: “وما انتشرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا عمتهم الأوجاع والطواعين التي لم تكن في أسلافهم”. وذلك على غرار الأمراض التي ظهرت؛ لفشو الزنى، وظهور الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ ومنها: الإيدز (السيدا)، والسيلان والزهري وغيرها من الأوجاع المعدية والتي لم تكن في أسلافنا الذين مضوا!

وجوانب الرحمة في ترتيب أولويات المسلم في برنامجه اليومي؛ وتذكر عاقبته مع الله تعالى، وملء يومه وليله بالأذكار والأدعية والأوراد من قراءة القرآن ومطالعة السنة النبوية وكتب العلم النافعة وأداء الصلوات المفروضة ورواتبها القبلية والبعدية وحلقات الوعظ مع الأهل والأولاد والمناجاة بالليل لأن القيام شعار الصالحين. ولاسيما ونحن نعيش هذه الأيام الحجر المنزلي ينبغي أن نستشعر هذا الدف الذي ساقه الله لنا وقد لا يعوض بثمن فنقلب بيوتنا إلى محاضن ومعابد ومدارس وأوراد؛ ونكيف أنفسنا على الاستمتاع بهذه الخلوات كما قال العز بن عبد السلام: “من سعادتي لزومي لبيتي، وتفرغي لعبادة ربي، والسعيد من لزم بيته، وبكى على خطيئته، واشتغل بطاعة الله”. ولله در ابن تيمية حين ابتلي بالسجن فقلبه إلى خلوة وسياحة كيَّف نفسه على أوراده حتى مات إذ قال: “ماذا يصنع أعدائي بي، إن سعادتي في قلبي أينما ذهبت فهي معي، فسجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة”.

ومن جوانب الرحمة في فيروس كورونا، أن يسد الله بها أبواب الفجور السياسي في تصدير ثقافة التفسخ والانحلال؛ فلا تعيث في الأرض فسادا، فتغلق البارات والملاهي والعُلَب الليلية والكباريهات ونوادي المجون والرقص والأماكن المخصصة للشذوذ والمثليين من السحاقيات واللواطيين، وإغلاق دور القمار والميسر ودور الدعارة والبغاء، بل والمهرجانات التي ينفق عليها -عن قصد وعمد- بسخاء؛ وهي الجالبة للتافهين والتافهات وما يتبعه من اختلاط وعفونة وانفلات جنسي واختلاط الأنساب، وموت القيم!