سورة الفاتحة من أعظم سور القرآن، وأفضلها، بل هي أفضل سورة في القرآن، ومما يدل على فضلها: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾. سورة الحجر
ان هذه السورة مختصة بمناجاة الرب تعالى، ولهذا اختصت الصلاة بها، فإن المصلي يناجي ربه، وإنما يناجي العبد ربه بأفضل الكلام وأشرفه، وهي مقسومة بين العبد والرب نصفين، فنصفها الأول ثناء للرب عز وجل، والرب تعالى يسمع مناجاة العبد له، ويرد على المناجي جوابه ويسمع دعاء العبد بعد الثناء ويجيبه إلى سؤاله، وهذه الخصوصية ليست لغيرها من السور، ولم يثبت مثل ذلك في شيء من القرآن إلا في خاتمة «سورة البقرة»، فإنها أيضا من الكنز الذي تحت العرش، ويجاب الدعاء بها كدعاء الفاتحة، غير أن الفاتحة تمتاز عليها من وجهين: أحدهما: الثناء أولها وتلك لا ثناء فيها، وإنما فيها أخبار عن الإيمان والفاتحة تتضمنه. والثاني: أن دعاء الفاتحة ضروري، وهو: هداية الصراط المستقيم الذي لا نجاة بدونه، وتلك فيها الدعاء بما هو من لواحق ذلك وتتماته، ولا يمكن حصوله بدون هداية الصراط المستقيم.
لقد جمعت بين التوسل إلى الله تعالى بالحمد والثناء على الله تعالى وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَأُعلِّمَنَّك أعظَمَ سورةٍ في القرآن، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أُوتيتُه). البخاري
لم ينزل في القرآن، ولا في التوراة ولا في الإنجيل، مثلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله تبارك وتعالى في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني). أخرجه الإمام أحمد والنسائي
سورة الفاتحة مكررة لمدة ساعة كاملة بصوت القاريء الشيخ محمد جبريل
سورة الفاتحة شفاء من كل داء، فهي شفاء من الأمراض القلبية، وشفاء من الأسقام البدنية؛ وقد تقدم عن أبي سعيد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام). والسر في ذلك: أن القرآن كله شفاء عام، فهو شفاء لأدواء القلوب من الجهل والشك والريب وغير ذلك، قال الله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور). سورة يونس
ولفضل هذه السورة وما حوَتْه من المعاني والفوائد والأحكام أفرَدَها بعض أهل العلم بالتأليف؛ كابن القيم في “مدارج السالكين بين منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾”، وناهيك به من كتاب! كما خصها جمعٌ من المفسِّرين بجزء كبير من تفسيره؛ كالرازي مثلًا؛ فقد تكلم عليها في مجلد كبير من تفسيره، كما أطال الكلام في تفسيرها إمامُ المفسرين الطبري، والحافظ ابن كثير، والشيخ عبدالرحمن الدوسري، رحمهم الله تعالى، وغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: (إياك نعبد وإياك نستعين)”. انتهى.
وبالجملة: فسورة الفاتحة مفتاح كل خير وسعادة في الدارين.
قال ابن القيم رحمه الله: “فاتحة الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني والشفاء التام والدواء النافع والرقية التامة ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها والسر الذي لأجله كانت كذلك.
وفي زاد المعاد: “ومن ساعده التوفيق وأُعِين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها موقوفة على التحقق بها؛ أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه”.
والله أعلم.