اخبار ليل ونهار. أحكام هامة في عيد الفطر المبارك.. احرص عليها. انقضى رمضانُ، وما زالت روحانياتُه وأجواءُ صفائه تنبض في سرائرنا وأنفسنا، والعبدُ المؤمن المحب لله هو الذي يسعى للمحافظة على هذا الصفاء الروحي حتى بعد رمضان، ويجعل عهده مع الله في رمضان -بهجر المعاصي، وتجديد التوبة، والتقرب إلى الله بالصوم وقيام الليل وتلاوة القرآن الكريم- عهدًا قائمًا متجددًا عبر الأيام بحب الله والإيمان القائم على الصراط المستقيم.
ويشرق علينا عيدُ الفطر المبارك ببهجته وفرحته؛ إذ جعله الله -عز وجل- في نهاية الشهر الكريم ليفرح الصائمون والطائعون بطاعتهم لله عز وجل.
وإن عيد الفطر بلا شك من الأيام المباركة؛ فمن الثابت أن لكل أمة من الأمم أعيادَها التي تعتز بها، ولها المكانة السامية في نفوس ووجدان أبنائها، ولما كانت أمة الإسلام هي خير أمة أخرجت للناس، جاءت أعيادُها أكرمَ الأعياد؛ إذ جعلها الحق تعالى مرتبطة بعقيدتها.
والعيد هو رمز السرور، وقوة الرابطة، وتجديد الأواصر في المودة، والألفة بين القلوب.
ويعرف يوم عيد الفطر بيوم الجائزة، وإنما يسمى العيد عيدًا لعودته، وهو دعوة من الله تعالى على موائد رحمته، وهو إشعار بالفرحة بعد تمام النعمة.
فمن أتم صيامه وقيامه، وبذل فيه من العطاء ابتغاء مرضاة الله عز وجل، وأعطى من حرمه ووصل من قطعه، وعفا عمن ظلمه، فيصدق فيه قول الحق عز وجل: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾. الآية 14 سورة الأعلى، وذلك هو الفوز العظيم.
وأجمل عيد في حياة الإنسان أن تكون علاقته بالله متميزة، ويسعى لأن يكون من أهل الجنة، وكل يوم يمر عليك دون أن تعصي الله فهو عيد.
أحكام عيد الفطر وآدابه:
1) فأولها التكبير يوم العيد ويبتدأ من ثبوت العيد وينتهي بصلاة العيد.
وقد قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). الآية 185. سورة البقرة.
2) الاغتسال لصلاة العيد ولبس أحسن الثياب والتطيب لذلك.
3) من السُّنَّة أن يتناول شيئًا من الطعام قبل الخروج للصلاة، ويفضَّل التمر، لحديث أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات). رواه البخاري . وعلَّل ذلك ابن حجر بأن ذلك سدًا لذريعة الزيادة في الصوم.
4) الجهر في التكبير في الذهاب إلى صلاة العيد.
5) الذهاب من طريق إلى المصلى والعودة من طريق آخر.
6) صلاة العيد في المصلى هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحرص عليها وادع لها، وإن صليت في المسجد لسبب أو لآخر جاز ذلك.
7) اصطحاب الأطفال والنساء دون استثناء حتى الحيض، ولا بأس بخروج النساء يوم العيد لحضور الصلاة وشهود الخطبة، واستحب ذلك بعض أهل العلم. وكل ذلك مشروط بأمن الفتنة؛ ودليل ذلك ما رواه مسلم عن أم عطية رضي الله عنها، قالت: (أَمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق، وذوات الخُدُور، فأما الحُيَّضُ فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين). والعواتق: جمع عاتق، وهي المرأة الشابة غير المتزوجة؛ والخدر: سِتْرٌ يُمَدُّ للفتاة في ناحية البيت، ثم أُطلق على كلُّ ما يواري من بَيْتٍ ونحوه خِدْرًا، والجمع خُدُورٌ، والمقصود هنا النساء الملازمات للبيوت.
8) التهنئة بالعيد ثابتة عن الصحابة رضي الله عنهم، ولم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح وأما عن الصحابة فعن جبير بن نفير قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا التقى يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبل منا ومنك)، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، رحمه الله، إسناده حسن.
احكام هامة في صلاة عيد الفطر المبارك:
لَيْسَ لِصَلاةِ العِيدِ رَاتِبَةٌ قَبْلِيَّةٌ وَلا بَعْدِيَّة، لَكِنَّ المسْلِمَ إِذَا دَخَلَ المصَلَّى أَوِ المسْجِدَ، فَهُوَ مَأْمُورٌ بأَدَاءَ تَحيةِ المسْجِدِ، وَلَو كَانَ الوَقْتُ وَقْتَ نَهْيٍ؛ لأَنَّ تَحيَّةَ المسْجِدِ مِنْ ذَوَاتِ الأَسْبَابِ، التي يَجوزُ أَدَاؤُهَا وَقْتَ النَّهْي.
الأَفْضَلُ لِلْمُسْلِمِ أَثْناءَ انْتِظَارِهِ خُرُوجَ الإِمَامِ لِلصَّلاةِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتكْبيرِ؛ لأَنهُ عِبَادَةُ الوَقْتِ، وله أَنْ يَقْرَأَ القُرآنَ أَوْ يَتَنَفَّلَ بالصَّلاةِ مَا لم يَكُنْ وَقْتَ نَهْيٍ، لَكنَّ الاشْتِغَالَ بالتكْبيرِ أَفْضَل.
أداء صلاة العيد ركعتان يكبر في الأولى سبع تكبيرات غير تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات قبل الفاتحة أيضا، ويقرأ الإمام فيهما سورة الأعلى والغاشية كما في صحيح مسلم عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ.
إِذَا أَدْرَكَ المُسْلِمُ الإِمَامَ وَهُوَ في التَشَهُدِ، جَلَسَ مَعَهُ، ثُم قَضَى رَكْعَتَينِ يَأْتي فِيهِما بِالتكْبير.
الأَفْضَلُ لِلْمُسْلِمِ إِذَا صَلَّى العِيدَ أَنْ يَبْقَى في المصَلَّى؛ لِيَسْتَمِعَ إِلى الخُطْبَةِ ويُؤَمِّنَ عَلى الدُّعَاء؛ وَقَدْ قَالَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – في حَقِّ الحُيَّضِ مِنَ النِّسَاءِ: (وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المسْلِمِينَ).
الاستماع إلى الخطبة التي بعد صلاة العيد سنة ومن لم يحضر الخطبة وقام بعد الصلاة فلا ضير عليه.
إِذَا فَاتَتْهُ صَلاةُ العِيدِ، فَالأَرْجَحُ أَنهُ لا يَقْضِيهَا؛ لِعَدَمِ وُرُودِ الدَّلِيلِ عَلى قَضَائِهَا إِذا فَاتَتْ.
صيغة التكبير الثابتة:
أما التكبير بصيغة: (الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، فثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره من السلف، سواء بتثليث التكبير الأول أو تثنيته.
أما التكبير بصيغة: (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا … إلخ): فقال الإمام الشافعي رحمه الله:
(وَإِنْ زَادَ فقال: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدَّيْنَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. فَحَسَنٌ). انتهى.
قال أبو إسحاق الشيرازي في “المهذب”: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك على الصفا). انتهى.
والأمر في هذا واسع، لأن الأمر ورد بمطلق التكبير، ولم يخص الرسول صلى الله عليه وسلم صيغة دون أخرى، قال الله تعالى: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ). الآية 185. سورة البقرة، فتحصل السنة بأي صيغة كانت.
ومن بدع ومعاصي العيد:
احرص أخي المسلم واختي المسلمة، على اجتناب المنكرات في كل حين إذ “كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار” كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعض بدع ومعاصي الاعياد:
1- انتشار الاغاني ومشاهدة الافلام والمسلسلات، وخاصة عند الصغار، وعلى الآباء مراقبة أبنائهم في هذه الأيام وتحذيرهم من ذلك.
2- زيارة القبور يوم العيد وتقديم الحلوى و الورود و الأكاليل و نحوها على المقابر كل ذلك من البدع والمحدثات لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما زيارة القبور من غير تقييد بوقت محدد فهي مندوبة مستحبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة). رواه الترمذي وابن ماجه.
3- تزين بعض الرجال بحلق اللحى إذ الواجب إعفاؤها في كل وقت والواجب أن يشكر المسلم ربه في هذا اليوم ويتمم فرحه بالطاعات لا بالمعاصي والآثام.
4- المصافحة بين الرجال و النساء الأجنبيات (غير المحارم) إذ هذا من المحرمات والكبائر وقد جاء في الحديث الصحيح كما في المعجم الكبير للطبراني وغيره: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ).
5- ومن الإسراف بذل الأموال الطائلة في المفرقعات والألعاب النارية دون جدوى، وحري أن تصرف هذه المبالغ على الفقراء والأرامل والأيتام والمساكين والمحتاجين وما أكثرهم وما أحوجهم في بلادنا!.
6- تبرج الفتيات والنساء: وينبغي التنبُّه هنا، أن على المرأة في العيد وفي غيره، أن لا تخرج متطيبة متعطرة، أو مرتدية ثيابًا ملفتة للانتباه، أو لباسًا غير شرعي، ونذكِّر هنا بقوله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن). الآية 31. سورة النور.